الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان والأعراض والأموال والقتل والجراح والقذف والسرقة، فأحكم سبحانه وتعالى وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع، فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل، ولا في الزنا الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس، وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته، ولطفه وإحسانه وعدله، لتزول النوائب وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان، ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه، فلا يطمع في استلاب غيره حقه» (١).
وتطبيق الحدود يتطلب أموراً أربعة: أولها ـ الإيمان بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهاجاً.
وثانيها ـ تطبيق شريعة الله في جميع أحكامها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وثالثها ـ الإدراك العقلي والتجريبي بفائدة الحدود.
ورابعها ـ الحرص على مصلحة الجماعة وتفضيلها على مصلحة الفرد.
هل في قطع اليد تعذيب وقسوة وتنكيل؟ إن في تطبيق عقوبة القطع زجراً مناسباً للمجرم ولأمثاله في المجتمع، فهو رحمة بالناس عامة، وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لقانون حدي السرقة والحرابة رقم ١٤٨ لسنة ١٩٧٢م الصادر في ليبيا ما يأتي: ولقد يحلو لبعض المرتابين والمتشككين أن يصفوا عقوبة القطع (أي في حدي السرقة والحرابة) بأنها لا تتفق مع المدنية والتقدم، ويرمونها بالعنف والغلظة. وهؤلاء يركزون النظر على شدة العقوبة ويتناسون فظاعة الجريمة وآثارها الخطيرة على المجتمع، إنهم يتباكون على يد سارق أثيم تقطع، ولا تهولهم جريمة
(١) راجع رسالته في القياس: ص ٨٥، والسياسة الشرعية له: ص ٩٨، وانظر مثل ذلك في قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام: ١٦٣/ ١ - ١٦٥ ومثله أيضاً قول ابن القيم في أعلام الموقعين: ٩٥/ ٢، ١٠٧ وما بعدها.