أحدهما ـ تمييز العبادات بعضها عن بعض، كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر مثلاً، وتمييز رمضان من صيام غيره. أو تمييز العبادات من العادات، كتمييز الغسل من الجنابة من غسل التبرد والتنظيف ونحو ذلك، وهذه النية هي التي توجد كثيراً في كلام الفقهاء في كتبهم.
والمعنى الثاني ـ بمعنى تمييز المقصود بالعمل، وهل هو لله وحده لا شريك له، أو لله وغيره. وهذه هي النية التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي توجد كثيراً في كلام السلف المتقدمين. وقد صنف أبو بكر بن أبي الدنيا مصنفاً سماه (كتاب الإخلاص والنية) وإنما أراد هذه النية، وهي النية التي يتكرر ذكرها في كلام النبي صلّى الله عليه وسلم تارة بلفظ (النية) وتارة بلفظ (الإرادة) وتارة بلفظ مقارب. وقد جاء ذكرها كثيراً في كتاب الله عز وجل بغير لفظ النية أيضاً من الألفاظ المقاربة.
وإنما فرَق من فرَق بين النية وبين الإرادة والقصد ونحوها لظنهم اختصاص النية بالمعنى الأول الذي يذكره الفقهاء، فمنهم من قال: النية تختص بفعل الناوي، والإرادة لا تختص بذلك، كما يريد الإنسان من الله أن يغفر له، ولا ينوي ذلك، وقد ذكرنا أن النية في كلام النبي صلّى الله عليه وسلم وسلف الأمة، إنما يراد لها هذا المعنى الثاني غالباً، فهي حينئذ بمعنى الإرادة، ولذلك يعبر عنها بلفظ الإرادة في القرآن كثيراً.
ثانياً ـ حكم النية وأدلة إيجابها، والقواعد الشرعية المتعلقة بها: حكم النية عند جمهور الفقهاء (١)(غير الحنفية): الوجوب فيما توقفت صحته عليها، كالوضوء والغسل، ماعدا غسل الميت والتيمم، والصلاة بأنواعها،