فقال الأشعري والغزالي والقاضي الباقلاني: لاحكم لله قبل اجتهاد المجتهد، وحكم الله ما أدى إليه اجتهاد المجتهد، فالحكم يتبع الظن، وما غلب على ظن المجتهد هو حكم الله، أي أن كل مجتهد مصيب، لأنه أدى ماكلف به.
وقال جمهور العلماء والشيعة: إن لله في كل واقعة حكماً معيناً قبل الاجتهاد، فمن صادفه فهو المصيب، ومن لم يصادفه كان مخطئاً. فالمصيب واحد، له أجران، والمخطئ غيره وله أجر واحد (١).
ثم اختلف هؤلاء، فقالت طائفة من الفقهاء والمتكلمين: هذا الحكم لادليل ولا أمارة عليه، بل هو كدفين يعثر عليه الطالب مصادفة. وهو رأي غير معقول لامعنى له، إذ كيف يكلف الله العباد بحكم لا دليل عليه؟.
وقال الأكثرون: قد نصب الله على هذا الحكم أمارة ظنية، والمجتهد ليس مكلفاً بإصابة الدليل لخفائه وغموضه، فمن لم يصبه كان معذوراً مأجوراً، وهذا هو القول الصحيح، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر».
[المطلب الثامن ـ طريقة الاجتهاد]
إذا وقعت حادثة جديدة، أو أراد إنسان استخلاص رأي راجح من بين آراء الأئمة، استجمع العالم المجتهد كل ما يتصل بنواحي الموضوع من لغة وآيات قرآنية
(١) اللمع للشيرازي: ص ٧١، المستصفى: ١٠٦/ ٢ ومابعدها، الإحكام للآمدي: ١٤٨/ ٣ ومابعدها، شرح الإسنوي: ٢٥١/ ٣، شرح المحلي على جمع الجوامع: ٣١٨/ ٢، شرح العضد على مختصر المنتهى: ٢٩٣/ ٢، التقرير والتحبير: ٣٠٦/ ٣، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت: ٣٧٦/ ٢ ومابعدها، كشف الأسرار: ١١٣٨/ ٤، التلويح على التوضيح:١١٨/ ٢، إرشاد الفحول: ص ٢٣٠، الملل والنحل للشهرستاني:٢٠٣/ ٢.