يتجلى مما سبق أن العقوبات التعزيرية تتصف بصفة المرونة في التطبيق، فيترك فيها للقاضي الحرية في اختيار نوع العقاب الملائم، أو الإعفاء من العقوبة أو التفاوت بين المجرمين بحسب الظروف والأحوال، وليس للقاضي أصلاً سلطة في التجريم والعقاب كيفما يشاء، وإنما هو مقيد في حكمه بأوامر الشرع وقيوده وقواعده، ويستأنس بتصنيف الفقهاء للعقوبات. وهذا كله يساعد في إصلاح المجرم وبالتالي الإقلال من الجريمة ومنعها، بسبب رهبته من العقاب المحدد مطلقاً، وهو أسمى ما ينشده رجال القانون للتخفيف من حدة مبدأ قانونية الجرائم، وإعطاء سلطات تقديرية للقاضي في العقاب، مثل ترتيب العقوبة بين حد أقصى وحد أدنى يتراوح بينهما تقديره، أو ائتمانه على تطبيق نظام الظروف المخففة، أو تخويله سلطة الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة في بعض الأحوال. وبذلك بدأت الشريعة الإسلامية في العقوبات التعزيرية بما انتهت إليه القوانين الحديثة في أفضل وأسمى نظرياتها.
عاشراً ـ موانع العقاب أو موانع المسؤولية، وأسباب الإباحة وإنسانية العقوبة: قد يمتنع تطبيق العقوبة لأسباب إنسانية تؤدي إلى منع الجريمة وحماية المجتمع من تكرار وقوع الجريمة وهي نوعان:
١ - موانع العقاب أو موانع المسؤولية: هي أسباب شخصية ترجع إلى تخلف الركن المعنوي للجريمة وهو القصد الجنائي (أو الإرادة الآثمة) إما لانعدام أهلية الفاعل وهو عذر صغر السن أو عدم التمييز والجنون، وإما بسبب انتفاء التكوين الطبيعي للإرادة وهو عذر الإكراه.