للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلّى الله عليه وسلم

فقضى أن دية جنينها غرّه (١): عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها» (٢). قال ابن تيمية: وفيه دليل على أن دية شبه العمد تحملها العاقلة.

ويؤكده أنه قتل لا يوجب قصاصاً، فتجب ديته على العاقلة، كالخطأ، ويختلف عن العمد المحض؛ أن العمد قصد فيه الجاني الفعل وإرادة القتل، فاستحق تغليظ الدية بكونها في ماله، وتدفع فوراً، وشبه العمد قصد فيه الجاني الفعل، ولم يرد القتل، فاستحق التخفيف من ناحيتين: هما كون الدية على العاقلة، وكونها مؤجلة كما في القتل الخطأ.

وهل تجب الدية ابتداء على العاقلة أو على القاتل؟ هناك رأيان للفقهاء: قال الحنفية والمالكية والأصح عند الشافعية (٣): تجب ابتداء على القاتل؛ لأن سبب وجوبها وهو القتل، وجد منه، لا من العاقلة، فكان الوجوب عليه، لا على العاقلة، وإنما العاقلة تتحمل دية واجبة عليه.

ويتحمل القاتل جزءاً من الدية مع العاقلة؛ لأنه هو المطالب أصالة بتحمل جريرة فعله، ودور العاقلة تابع، فهو مطالب بحفظ نفسه من ارتكاب الجرائم، وعاقلته مطالبة أيضاً بحفظه من الجريمة، فإذا لم يحفظوا فرَّطوا، والتفريط منهم ذنب. والقاتل يعتمد على مناصرة عاقلته وحمايتها له، فتشاركه في تحمل تبعة المسؤولية، لا أنها تستقل بتحملها عنه.

وبناء على هذا الرأي: إذا لم يكن للجاني عاقلة يرجع بالدية كلها عليه،


(١) أصل الغرة: البياض في وجه الفرس، وعبر هنا بالغرة عن الجسم كله.
(٢) متفق عليه بين أحمد والشيخين (البخاري ومسلم) (نيل الأوطار: ٦٩/ ٧).
(٣) البدائع: ٢٥٥/ ٧، مغني المحتاج: ٩٥/ ٤، ٩٧، الشرح الكبير للدردير: ٢٨١/ ٤ ومابعدها، الدر المختار ورد المحتار: ٤٠٠/ ٥، ٤٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>