وأما تفصيل رأي الحنفية (١): فهو أن اختلاف المكان بين الإمام والمأموم مفسد للاقتداء، سواء اشتبه على المأموم حال إمامه أو لم يشتبه على الصحيح. فلو اقتدى راجل براكب، أو بالعكس، أو راكب براكب دابة أخرى، لم يصح الاقتداء لاختلاف المكان، فلو كانا على دابة واحدة صح الاقتداء لاتحاد المكان.
ومن كان بينه وبين الإمام طريق عام يمر فيه الناس، أو نهر عظيم، أو خلاء (أي فضاء) في الصحراء، أو في مسجد كبير جداً كمسجد القدس يسع صفين فأكثر، أوصف من النساء بلا حائل قدر ذراع أو بغير ارتفاعهن قدر قامة الرجل، لا يصح الاقتداء؛ لأن ذلك يوجب اختلاف المكانين عرفاً، مع اختلافهما حقيقة، فيمنع صحة الاقتداء، لقول عمر رضي الله عنه:«من كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق أو صف من النساء، فلا صلاة له».
ومقدار الطريق العام الذي يمنع صحة الاقتداء: هو مقدار ما تمر فيه العجلة (العربة) أو تمر فيه الأحمال على الدواب. والمراد بالنهر: ما يسع زورقاً يمر فيه.
فإن كانت الصفوف متصلة على الطريق، كما يحصل في الحرمين أو في المساجد المزدحمة بالمصلين، جاز الاقتداء؛ لأن اتصال الصفوف أخرجه من أن يكون ممر الناس، فلم يبق طريقاً، بل صار مصلى في حق هذه الصلاة. وكذلك إن كان على النهر جسر وعليه صف متصل.
والحائل كجدار كبير لا يمنع الاقتداء إن لم يشتبه حال إمامه بسماع من الإمام أو مبلِّغ عنه أو رؤية ولو لأحد المقتدين ولو من باب مشبك يمنع الوصول، ولم يختلف المكان حقيقة كمسجد، وبيت، فإن المسجد مكان واحد، إلا إذا كان المسجد كبيراً جداً، وكذا البيت حكمه حكم المسجد في ذلك لاحكم الصحراء.