للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النوع الثالث ـ أن تكون اليمين على ما هو مستحيل عادة]

إذا كان الأمر المحلوف عليه متصور الوجود في نفسه، ولكنه مستحيل بحسب العادة كالصعود في السماء، والطيران في الهواء، أو تحويل الحجر ذهباً، أو شرب ماء دجلة كله، أو قطع المسافة البعيدة في برهةوجيزة، فإنه تنعقد اليمين عند أبي حنيفة وصاحبيه وبقية أئمة المذاهب (١)؛ لأن البر متصور الوجود في نفسه بأن يقدر الله تعالى الحالف على ذلك، كما أقدر الملائكة والجن والأنبياء على صعود السماء، وكذلك انقلاب الحجر ذهباً ممكن بتحويل الله تعالى، وهكذا كل ما ذكر إلا أن الحالف عاجز عن الأمر عادة، فبالنظر لتصور وجود المحلوف عليه حقيقة انعقدت اليمين، وبالنظر للعجز عن تحقيق المحلوف عليه عادة حنث في الحال، ووجبت الكفارة، كما لو حلف ليطلقن امرأته، فماتت.

وقال زفر رحمه الله تعالى: لاينعقد يمين هذا الحالف: لأنه مستحيل عادة فيلحق بالمستحيل حقيقة، وبما أن اليمين لا ينعقد في المستحيل حقيقة فلا ينعقد كذلك في المستحيل عادة (٢).

فإذا كانت هذه اليمين مؤقتة مثل: (والله لأصعدن السماء اليوم) فإنه عند أبي حنيفة ومحمد: يحنث في آخر اليوم؛ لأن البر يجب في المؤقتة في آخر اليوم عندهما، ويكون الوقت ظرفاً موسعاً.

وقال أبو يوسف: يحنث في الحال، لتحقق عجزه عن البر في الحال. وهذا هو الصحيح من مذهبه (٣).


(١) راجع البدائع: ٣ص١١ ومابعدها، تبيين الحقائق: ٣ص١٣٥، الدر المختار: ٣ص١١١، مغني المحتاج: ٤ص٣٢٠، المهذب: ٣ص١٤٠، الشرح الكبير للدردير: ٢ص١٢٦، المغني: ٨ص ٧٣٠، الميزان: ٢ص١٢٩، ١٣٢.
(٢) مراجع الحنفية السابق ذكرها.
(٣) مراجع الحنفية السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>