للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً ـ أن يكون المكفول به مقدور الاستيفاء من الكفيل ليكون العقد مفيداً، وذلك في الأموال عند جمهور العلماء. وعليه لا تجوز الكفالة بالحدود والقصاص لتعذر الاستيفاء من الكفيل (أي لأن النيابة لا تجري في العقوبات)، فلا تفيد الكفالة فائدتها. هذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة (١). ودليلهم ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لا كفالة في حد» (٢) ولأن الكفالة استيثاق، والحدود مبناها على الدرء والإسقاط بالشبهات، فلا يلائمها الاستيثاق، ولأن الحق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به.

ويلاحظ أن عدم جواز الكفالة بالحدود والقصاص معناه عند الحنفية: عدم جواز الإجبار على إعطاء الكفالة، فإن سمحت نفس المدعى عليه وتبرع بإعطاء الكفالة في حالة القصاص والحد الذي فيه حق للعبد وهو حد القذف وحد السرقة، جازت الكفالة بالنفس؛ لأنها كفالة بمضمون على الأصل مقدور الاستيفاء من الكفيل، فتصح كالكفالة بتسليم نفس من عليه الدين.

فإن لم يتبرع المدعى عليه وهو الذي توجه عليه الحد أو القصاص، فلا يجبر عند أبي حنيفة على تقديم كفيل بنفسه بإحضاره في مجلس القضاء لإثبات دعوى المدعى عليه؛ لأن الكفالة لا تتلاءم مع الحدود كما عرفنا، وحينئذ يحبسه القاضي حتى تقام عليه البينة أو يستوفى الحد. وقال الصاحبان: يجبر على تقديم كفيل بنفسه في القصاص وفي حد القذف؛ لأن فيهما حق العبد.


(١) البدائع، المرجع السابق، الشرح الكبير: ٣٤٦/ ٣، بداية المجتهد: ٢٩٣/ ٢، المغني: ٥٥٧/ ٤، فتح القدير: ٣٩٩/ ٥، مجمع الضمانات: ص ٢٧٢، الكتاب مع اللباب: ١٥٧/ ٢ ومابعدها.
(٢) رواه البيهقي بإسناد ضعيف، وقال: إنه منكر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ورواه ابن عدي في الكامل، وأعله أيضاً برواية أبي عمر الكلاعي بأن أحاديثه منكرة (راجع سبل السلام: ٦٣/ ٣، نصب الراية: ٥٩/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>