وعند الصاحبين وبرأيهما يفتى: إذا صح الوقف خرج عن ملك الواقف، وصار حبيساً على حكم ملك الله تعالى، ولم يدخل في ملك الموقوف عليه، بدليل انتقاله عنه بشرط الواقف (المالك الأول) كسائر أملاكه.
وإذا صح الوقف لم يجز بيعه ولا تمليكه ولا قسمته، إلا أن يكون الوقف مشاعاً فللشريك بناء على جوازه عند أبي يوسف أن يطلب فيه القسمة، فتصح مقاسمته؛ لأن القسمة تمييز وإفراز، ويغلب في الوقف معنى الإفراز في غير المكيل والموزون الذي يغلب فيه معنى المبادلة، نظراً وملاحظة لمصلحة الوقف. والمفتى به وهو قول الصاحبين جواز قسمة المشاع إذا كانت القسمة بين الواقف وشريكه المالك، أو الواقف الآخر أو ناظره إن اختلفت جهة وقفهما.
ويرى المالكية: أن الموقوف يظل مملوكاً للواقف، لكن تكون المنفعة ملكاً لازماً للموقوف له، فهم كأبي حنيفة، ودليل قول النبي صلّى الله عليه وسلم:«حبّس الأصل، وسبِّل الثمرة».
والأظهر في مذهب الشافعية: أن الملك في رقبة الموقوف ينتقل إلى الله تعالى، أي ينفك عن اختصاص الآدمي، فلا يكون للواقف ولا للموقوف عليه، ومنافعه ملك للموقوف عليه، يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة، ويملك الأجرة وفوائده كثمرة وصوف ولبن، وكذا الولد في الأصح، فهم كالصاحبين.
وقال الحنابلة في الصحيح من المذهب: إذا صح الوقف زال به ملك الواقف؛ لأنه سبب يزيل التصرف في الرقبة والمنفعة، فأزال الملك كالعتق. وأما خبر «حبّس الأصل وسبل الثمرة» فالمراد به أن يكون محبوساً لا يباع ولا يوهب ولا يورث.