حلف لا يسكن في بلد، فخرج بنفسه وترك أهله فيه. وقال الشافعي محتجاً على الحنفية: إذا خرجت من مكة، وخلَّفت دفيترات بها أفأكون ساكناً بمكة؟!. ومن حلف لا يسكن داراً معينة أو لا يقيم فيها، فليخرج في الحال، فإن مكث بلا عذر حنث، حتى ولو أخرج متاعه؛ لأن المحلوف عليه سكناه، وهو موجود، إذ السكنى تطلق على الدوام كالابتداء، أما إن اشتغل بأسباب الخروج كجمع متاع وإخراج أهل ولبس ثوب، فلم يحنث بمكثه لذلك؛ لأنه لا يعدّ ساكناً، وإن طال مقامه بسبب ذلك. وكذلك الدوام على التزوج أو التطهر أو اللبس أو الركوب أو القيام أو القعود، له حكم ابتداء هذه الأفعال عندهم.
وهذا بعكس الوطء والصوم والصلاة وبقاء الطيب، الدوام فيها ليس كالابتداء باتفاق الفقهاء (١).
الثالث ـ إذا انتقل بنفسه وأهله وماله ومتاعه وترك من أثاثه شيئاً يسيراً فإن أبا حنيفة قال: يحنث لأن السكنى قد ثبتت بكل ذلك فيبقى مابقي شيء منه.
وقال أبو يوسف: يعتبرنقل الأكثر، لأن نقل الكل قد يتعذر في بعض الأوقات.
وقال محمد: يعتبر ماتقوم به السكنى، قالوا: وهذا القول أحسن وأرفق بالناس. ولاشك أن من خرج على نية ترك المكان وعدم الرجوع إليه، ونقل من أمتعته مايقوم به أمر سكناه. وهو على نية نقل الباقي يقال عنه: ليس ساكناً فيه، بل انتقل منه، وسكن في مكان آخر، وبهذا يترجح قول محمد.
فإن منع من الخروج والتحول بنفسه ومتاعه، وأوثقوه وقهروه: لايحنث وإن أقامـ على وضعه أياماً، لأنه ليس بساكن، إنما هو أسكن فيها عن إكراه، فلايحنث.