ودليل هؤلاء المجيزين: هو أنه لو لم تجعل نفقة المضارب من مال المضاربة لامتنع الناس من قبول المضاربات مع مساس الحاجة إليها. والسبب في استحقاق المضارب النفقة في السفردون الحضر: هو أنه حبس نفسه عن الكسب وسافر لأجل المضاربة، فأشبه حبس الزوجة التي تستحق النفقة بالاحتباس بخلاف الحضر، فلو أنفق المضارب في السفر من ماله الخاص تضرر بذلك.
والنفقة الواجبة للمضارب في مال المضاربة، كما ذكر الحنفية: هي ما تصرف إلى الحاجة الراتبة وهي الطعام والكسوة والإدام والشراب، وأجر الأجير وأجرة الحمام، ودهن السراج والحطب، وفراش ينام عليه وعلف دابته التي يركبها في سفره ويتصرف عليها في حوائجه، وغسل ثيابه ونحوه مما لا بد في السفر منه عادة. أما ثمن الدواء ففي مال المضارب خاصة في ظاهر الرواية؛ لأن الحاجة إلى النفقة معلومة الوقوع، وإلى الدواء بعارض المرض، ولهذا كانت نفقة المرأة على الزوج، ودواؤها في مالها كما يذكر متقدمو الحنفية، وهذا محل نظر.
وعن أبي حنيفة رحمه الله: أن الدواء يدخل في نفقة المضارب؛ لأنه لإصلاح بدنه، ولا يتمكن من التجارة إلا به، فصار كالنفقة (١).
وأما قدر النفقة: فهو أن يكون بالمعروف عند التجار من غير إسراف، فإن جاوز المعروف ضمن الفضل؛ لأن الإذن ثابت بالعادة، فيعتبر القدر المعتاد.
ولو سافر فلم يتفق له شراء متاع من حيث قصد، وعاد بالمال، فنفقته ما دام مسافراً في مال المضاربة؛ لأن عمل التجار على هذا، وهو أن الشراء قد يحصل في وقت دون وقت، ومكان دون مكان.