للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العليا، ويعارضون نظام الملك أو الخلافة المقرون بالظلم والقهر والتمتع باللذات، والاعتداء على الحقوق والاستبداد الغاشم.

فهم لم يتهاونوا في شأن الإمامة إذا كان يفهم منها تنفيذ أحكام الشريعة، بل قد أعلنوا وجوبها، فنقلوا الوجوب من الإمامة كهيئة متميزة منفصلة إلى تنفيذ القانون نفسه، أي أن على الجميع الاشتراك في تنفيذ أحكام التشريع بأنفسهم، دون حاجة إلى وجود قوة قاهرة مسيطرة. وهذه هي الديمقراطية المباشرة أو الجمهورية في أكمل صورها كما يحلم بها فلاسفة السياسة. ولكن تحقيق هذا أمر متعذر، فإن اقترن وجود الدولة ببعض المساوئ فلا يمكن الاستغناء عنها (١).

[أدلتهم]

استدل هؤلاء المجوزون بأدلة جانبيةفحواها تعداد أضرار الحكومات فقالوا: إن وجود الحكومة يتنافى مع مبدأ الحرية الطبيعية وحق الاجتهاد بالرأي، ومبدأ المساواة، بسبب ضرورة توفير الطاعة للحاكم. وإذا لم يطع الناس وقعت الفتنة والاختلاف. مع أن الحاكم ليس معصوماً من الخطأ، والشروط المطلوبة فيه قلما توجد في كل زمان.

لكن الحق يقال: إن المصالح التي تتوافر بوجود الحاكم أكثر بكثير من المضار التي تلحق الأفراد، ويتحمل أخف الضررين لدفع أشدهما، ولأن الحرية الحقيقية هي التي تكون في ظل النظام لتأمين حريات وحقوق الآخرين. ثم إن المفاسد التي تحدث من تنازع وتقاتل وهلاك وفوضى وتعرض للأخطار الخارجية من العدو تفوق بكثير ما يفقد الشخص من بعض الحقوق الخاصة، أو يقدمه من ولاء وطاعة أو يتحمله من تبعات ومغارم.


(١) النظريات السياسية الإسلامية للدكتور ضياء الدين الريس: ص ١٤١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>