للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً ـ تعريف ولاية المظالم ونشأتها: ولاية المظالم تشبه إلى حد كبير نظام القضاء الإداري ومجلس الدولة حديثاً، فهي أصلاً للنظر في أعمال الولاة والحكام ورجال الدولة مما قد يعجز عنه القضاء العادي، وقد ينظر واليها في المنازعات التي عجز القضاء عن فصلها، أو في الأحكام التي لا يقتنع الخصوم بعدالتها. ويجتمع فيها القضاء والتنفيذ معاً (١).

وعرفها الماوردي بقوله (٢): «نظر المظالم: هو قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة، وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة، فكان من شروط الناظر فيها أن يكون جليل القدر نافذ الأمر، عظيم الهيبة، ظاهر العفة، قليل الطمع، كثيرالورع؛ لأنه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة، وثبت القضاة، فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين، وأن يكون بجلالة القدر نافذ الأمر في الجهتين».

نشأتها: كان الرسول صلّى الله عليه وسلم في صدر الإسلام أول من نظر المظالم بنفسه، فقضى في شِرْب بين الزبير بن العوام وأنصاري (٣)، وأرسل علياً لدفع دية القتلى الذين قتلهم خالد من قبيلة بني جذيمة بعد أن خضع أهلها وقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد».

ولم يُنتدب للمظالم من الخلفاء الأربعة أحد؛ لأن الناس كان يقودهم التناصف إلى الحق، ويزجرهم الوعظ عن الظلم.

ولكن عمر رضي الله عنه كان شديد الوطأة على الولاة، ودائم التحذير لهم، فأمر بالاقتصاص من عمرو بن العاص؛ لأنه قال لأعرابي في المسجد: يا منافق، إلا أن يعفو الأعرابي، واقتص من ابن عمرو لإهانته مصرياً قبطياً.


(١) السلطات الثلاث: ص ٣١٣، الماوردي: ص ٧٣.
(٢) الأحكام السلطانية: ص ٧٣.
(٣) الماوردي: ص ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>