للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحنابلة في ذلك (١): إن استوى المجتهدان عند المستفتي في الفضيلة واختلفا عليه في الجواب اختار الأشد منهما، لما روى الترمذي من حديث عائشة قالت: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ماخير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما» وفي لفظ «أرشدهما» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ورواه أيضاً النسائي وابن ماجه. فثبت بهذين اللفظين للحديث أن الرشد في الأخذ بالأشد، والأولى أن يعتبر ـ أي المستفتي ـ القولين ساقطين، لتعارضهما، ويرجع إلى استفتاء آخر.

وعبارة المالكية (٢): الأصح أنه يمتنع تتبع الرخص في المذاهب، بأن يأخذ منها ماهو الأهون فيما يقع من المسائل. وقيل: لايمتنع. وصرح بعضهم بتفسيق متتبع الرخص. والأولى الاحتياط بالخروج من الخلاف بالتزام الأشد الأقوى، فإن من عز عليه دينه تورع، ومن هان عليه دينه تبدع.

وعبارة الغزالي (٣): ليس للعامي (٤) أن ينتقي من المذاهب في كل مسألة أطيبها عنده، فيتوسع، بل هذا الترجيح عنده كترجيح الدليلين المتعارضين عند المفتي، فإنه يتبع ظنه في الترجيح، فكذلك ههنا.

٢ - قال القرافي المالكي، وأكثر أصحاب الشافعي، والراجح عند الحنفية منهم ابن الهمام وصاحب مسلم الثبوت (٥): يجوز تتبع رخص المذاهب، لأنه


(١) المدخل إلى مذهب أحمد، المرجع والمكان السابق.
(٢) فتاوى الشيخ عليش، المرجع السابق، وصفحة ٧٦.
(٣) المستصفى، المرجع السابق.
(٤) العامي في اصطلاح الأصوليين: هو كل من ليس أهلاً للاجتهاد، وإن كان عالماً بفن غير فن استنباط الأحكام من أدلتها.
(٥) مسلم الثبوت: ٣٥٦/ ٢، إرشاد الفحول: ص ٢٤٠، شرح المحلي على جمع الجوامع ٣٢٨/ ٢، شرح الإسنوي: ٢٦٦/ ٣، رسم المفتي في حاشية ابن عابدين: ٦٩/ ١ ومابعدها، الفوائد المكية للسقاف: ص٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>