وطلب حث الناس على مساعدته، فاستجاب أبو موسى لطلبه، وأمر الناس بمعاونته، فبادروا إلى إلقاء بعض أمتعتهم عليه، فجمعت ثم بيعت وأعطى ـ أبو موسى ـ المكاتب مكاتبته، ثم أعطى الفضل الزائد في مكاتبين آخرين، ولم ترد الأمتعة على الناس.
والقصد من المساعدة واضح وهو تمكين المكاتب من تحرير نفسه من الرق، وتصفية آثار العبودية؛ لأن الإسلام شجع على العتق، وتخليص الأرقاء من الرق. ولا سبيل إلى التحرير إذا لم يعتقه سيده إلا بالمعاوضة، أي الكتابة على أقساط معينة، أخرج أبو داود بإسناد حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:«المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم».
٦ - هل تعطى الشعوب الإسلامية التي تئن تحت وطأة الحكومات الكافرة لتحرير نفسها من الاحتلال الذي تخضع له؟ الاصطلاح الشرعي لكلمة «الرقاب» واضح في أن المراد بهم تحرير الأرقاء من العبودية، فردا كانوا أو جماعة. أما الاستعمار وأشكاله العنصرية البغيضة فلا ينطبق عليه مفهوم الاسترقاق أو الرق المعروف، لذا يصعب القول بأن الاستعمار كالاسترقاق، أو أن تعطى الشعوب المستعمرة من سهم «الرقاب» لتحرير نفسها من الاستعمار. ولكن رأينا السيد الشيخ رشيد رضا يجيز إعطاء الشعوب المستعمرة من الزكاة للتحرر من الاستعباد وإعادة مجد الإسلام، بل لإعادة ما سلبه الأجانب من دار الإسلام، إذا لم يكن مصرف «في الرقاب» مستعملاً في تحرير الأفراد بسبب إلغاء الرق من العالم (١). وتابعه على ذلك أستاذنا المرحوم الشيخ محمود شلتوت في كتابه:«الإسلام عقيدة وشريعة» وسبب هذا الاتجاه أن الصرف حينئذ
(١) تفسير المنار: ٥١٥/ ١٠، ط دار المعرفة في بيروت.