للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً ـ هل تشمل الضرورة حالة السفر والحضر جميعاً؟ تباح المحرمات عند الاضطرار إليها في الحضر والسفر جميعاً؛ لأن آية الضرورة {فمن اضطر} [البقرة:١٧٣/ ٢] مطلقة غير مقيدة بحالة معينة من هاتين الحالتين، وهو لفظ عام في حق كل مضطر، ولأن الاضطرار يكون في الحضر في سنة المجاعة العامة، وسبب الإباحة: الحاجة إلى حفظ النفس عن الهلاك، وهو عام في الحالين (١).

وهذا باتفاق المذاهب الأربعة، ولم يميز الحنفية (٢) بين السفر المقصود به أصلاً المعصية، أو طروء المعصية في أثناء سفر مباح. وهو الراجح عند الحنابلة كما في الحاشية. والمشهور من مذهب مالك (٣): أن المضطر يجوز له الأكل من الميتة ونحوها في سفر المعصية، ولايجوز له القصر والفطر لقوله تعالى: {غير باغ ولا عاد} [البقرة:١٧٣/ ٢].

وفرق المالكية في المشهور والشافعية والحنابلة (٤) بين المعصية بالسفر، والمعصية في السفر أي

أثنائه. فمن أنشأ سفراً يعتبر في ذاته معصية كالمرأة الناشز، وقاطع الطريق، والمسافر لظلم الناس، لايباح له الأكل من الميتة، أو استعمال الرخص الشرعية؛ لأن الرخص لاتناط بالمعاصي، ولقوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد، فلا إثم عليه} [البقرة:١٧٣/ ٢] قال مجاهد: غير باغ على المسلمين ولا عاد عليهم.


(١) هذا ماقرره ابن قدامة في مذهب أحمد (المغني: ٥٩٦/ ٨) وهو الموافق لغيره من الكتب (كشاف القناع: ١٩٤/ ٦).
(٢) التوضيح: ١٩٤/ ٢، مسلم الثبوت: ١١٣/ ١، أحكام الجصاص: ١٤٧/ ١ ومابعدها.
(٣) الموافقات: ٣٣٧/ ١، أحكام القرآن لابن العربي: ٥٨/ ١، تفسير القرطبي: ٢٣٣/ ٢، القوانين الفقهية: ص ١٧٣، بداية المجتهد: ٤٦٢/ ١.
(٤) مخطوط قواعد الزركشي: ق ١٠٧، الأشباه والنظائر للسيوطي: ص ١٢٤، مغني المحتاج: ٦٤/ ١، ٢٦٨، المغني: ٢٩٧/ ٨، الشرح الصغير: ٤٧٧/ ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>