على الرغم مما كتبت وحققت ودققت النظر، أقف مبهوراً مشدوهاً أمام عظمة الفقه الإسلامي وخصوبته وشموله، وعمق فكر رجاله وسعة أفقهم وإحاطتهم، وتتبعهم المسائل وحرصهم الشديد على استقصاء الفروع والجزئيات، ولكن على منهجهم السائد وهو أن الفقه فروعي لا يعتمد في التفريع على بيان نظرية معينة أولاً، ثم يبحث كل ما يتعلق بها.
وأصرح بأني لم أُحص جميع ما أبانه فقهاء المذاهب من تفريعات وجزئيات، فلم يكن همي جمع الفروع الفقهية من فقه المذاهب، وإنما وضع التصور لبناء هيكل البحث وأصول الموضوع الفقهي بما يمهد لوضع نظرية عامة، بالإضافة لإيراد نظريات كثيرة في الكتاب.
ثم وجهت جهدي فيما عدا وضع الهيكل الأساسي لكل بحث، إلى التحقيق، والتنظيم، والموازنة، والتأصيل، أي تحقيق المذهب ومعرفة الرأي الراجح أو المعتمد فيه، وتنظيم البحث والعرض والبيان تنظيماً يلم بشتات كل موضوع ومعرفة جوانبه المتعددة، والموازنة بين الآراء المذهبية لمعرفة أوجه التقابل واللقاء بينها أو أوجه الافتراق والاختلاف فيها، إما مع الترجيح لرأي أو بدون ترجيح، إبقاء على الثروة الفقهية الموجودة، ليتسنى للناس جميعاً إمكان الاستفادة منها مع اختلاف الزمان والمكان.
وأما التأصيل فهو رد كل حكم مذهبي إلى مراجعه المعتمدة بقدر المستطاع.
وقد تأكد لدي من الحرص على بيان دليل كل مذهب أن الاختلافات الفقهية ضرورة، ويعذر فيها الفقهاء بسبب الخلاف في فهم النص، أو ثبوت الحديث