للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طاهراً، وأما الجنب والحائض والنفساء إذا استشهد، فيغسل عند أبي حنيفة، كما يغسل الصبي والمجنون. وقال الصاحبان: لا يغسَّلان.

استدل أبو حنيفة على وجوب غسل الجنب ونحوه بما صح عنه صلّى الله عليه وسلم أنه لما قتل حنظلة بن أبي عامر الثقفي، قال: إن صاحبكم حنظلة تُغسِّله الملائكة، فسألوا زوجته، فقالت: خرج وهو جنب،

فقال عليه الصلاة والسلام: لذلك غسلته الملائكة (١).

وأورد الصاحبان: أنه لو كان الغسل واجباً، لوجب على بني آدم، ولما اكتفي بفعل الملائكة. ورد عليهما بالمنع بأنه يحصل بفعلهم؛ لأن الواجب نفس الغسل، أما الغاسل فيجوز أن يكون أياً كان.

ولا يغسل عن الشهيد دمه، ولا ينزع عنه ثيابه، وإنما يدفن بدمه وثيابه بعد نزع الفرو والحشو والخف والسلاح مما لا يصلح للكفن، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «زمّلوهم بدمائهم» (٢).

وقال الجمهور: لا يغسل الشهيد ولا يكفن ولا يصلى عليه إبقاء لأثر الشهادة عليهم وتعظيمهم باستغنائهم عن دعاء الناس لهم. ولكن تزال النجاسة الحاصلة من غير الدم؛ لأنها ليست من أثر الشهادة، بدليل حديث جابر: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم» (٣) وروى البخاري ومسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده، ما من كَلْم يُكْلَم في سبيل الله إلا جاء كهيئته حين كُلِم: اللون لون الدم، والريح ريح مسك».


(١) رواه محمد بن إسحاق في المغازي عن محمود بن لبيد (نيل الأوطار:٢٩/ ٤).
(٢) رواه الشافعي وأحمد والبيهقي والنسائي.
(٣) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>