متساويين، حتى لو باع ملحاً بملح مثله إلى أجل، لم يجز، لوجود اتحاد الجنس. وهكذا فإن حرمة ربا الفضل تتحقق بوصفين، وحرمة النَّساء بأحد الوصفين.
وبما أن اتحاد الجنس كاف وحده لتحريم النسيئة، فلا يعتبر القدر هنا (وهو نصف صاع فأكثر) فلا يجوز بيع حفنة قمح بحفنتين إلى أجل، ولا تفاحة بتفاحتين، ولا بِطِّيخة ببطيختين إلى أجل ونحوها، لاتحاد الجنس، بخلاف ربا الفضل كما تقدم.
فإذا انتفى الجنس كحفنة بر بحفنتي شعير، يحل في الأرجح البيع مطلقاً: حالاً ونسيئة، لعدم وجود علة كل منهما. وذكر عن الإمام محمد أنه حرم ذلك كله، وقال: كل شيء حرم في الكثير فالقليل منه حرام.
[حكمة التحريم]
إن حكمة تحريم ربا النسيئة إجمالاً: هي ما فيه من إرهاق المضطرين، والقضاء على عوامل الرفق والرحمة بالإنسان، ونزع فضيلة التعاون والتناصر في هذه الحياة، واستغلال القوي لحاجة الضعيف، وإلحاق الضرر العظيم بالناس، فإذا صارت النقود محلاً للتعامل بزيادة ربوية، كالسلع العادية حالاً أو نسيئة، اختل معيار تقويم الأموال الذي ينبغي أن يكون محدوداً مضبوطاً لا يرتفع ولاينخفض. وإذا جاز ربا النسيئة في المطعومات ببيع بعضها ببعض لأجل، اندفع الناس إلى هذا البيع، طمعاً في الربح، فيصبح وجود الطعام حالاً عزيز المنال، فيقع الضرر في أقوات العالم (١):
(١) القياس لابن القيم: ص ١١٤، الفقه على المذاهب الأربعة: ٢٤٦/ ٢، أعلام الموقعين: ١٣٧/ ٢ وما بعدها، الدر المختار: ١٨٩/ ٤، فتح القدير: ٢٧٨/ ٥، ٢٨٦.