وأما إذا كان حكمه في مجال الاجتهاديات، أو الأدلة الظنية، فإنه لاينقض الحكم السابق، لأن نقضه يؤدي إلى اضطراب الأحكام الشرعية وعدم استقرارها، وعدم الوثوق بحكم الحاكم، وهذا مخالف للمصلحة التي نصب الحاكم لها، وهو فصل المنازعات. فلو أجيز نقض حكم الحاكم، لما استقرت للأحكام قاعدة، ولبقيت الخصومات على حالها بعد الحكم، وذلك يوجب دوام التشاجر والتنازع وانتشار الفساد ودوام العناد، وهو مناف للحكمة التي لأجلها نصب الحكام، كما قال القرافي (١). والرائد في ذلك قول عمر حينما قضى في مسألة إرثية بحكمين:«تلك على ماقضينا وهذا على مانقضي» وقول الفقهاء في الفروع: «لاينقض الاجتهاد بالاجتهاد».
ثالثاً ـ تغير الأحكام بتغير الأزمان: لاينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، كما هو معروف مشهور، وذلك بسبب تغير العرف، أو تغير مصالح الناس، أو مراعاة الضرورة، أو لفساد الأخلاق، وضعف الوازع الديني، أو لتطور الزمن وتنظيماته المستحدثة. فيجب تغير الحكم الشرعي لتحقيق المصلحة ودفع المفسدة، وإحقاق الحق والخير. وهذا يجعل مبدأ تغير الأحكام أقرب إلى نظرية المصالح المرسلة منها إلى نظرية العرف.
ومما ينبغي ملاحظته أن الأحكام القابلة للتغير أو التطور هي المستنبطة بطريق القياس أو المصلحة المرسلة، وذلك في نطاق المعاملات أو الأحكام الدستورية والإدارية والعقوبات التعزيرية، مما يدور مع مبدأ إحقاق الحق وجلب المصالح ودرء المفاسد.