للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حداً فستره الله وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه» (١).

حكمة العقاب في ذاته: تبين مما سبق أن الحكمة من الحدود والتعزيرات في شريعة الله واضحة الأهداف، وهي تقويم المجرم وإصلاح حاله ومنعه من العود أو التكرار، وزجر الناس وردعهم عن اقتراف تلك الجرائم المخلة بأمن الجماعة ومصالحها، وصيانة المجتمع من ألوان الفوضى والفساد، وتطهير النفوس الجانحة أو المنحرفة من آثار الذنوب والمعاصي، التي تؤثر في صفاء القلب، وطهارة النفس، وتركيز الضمير، وترقية الوجدان وإذكاء الشعور الإنساني بمراعاة حقوق الآخرين، والبعد عن مختلف أنواع الأذى والضرر، قال ابن تيمية رحمه الله:

من رحمة الله سبحانه وتعالى: أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض، في النفوس والأبدان والأعراض والأموال والقتل والجرح والقذف والسرقة، فأحكم سبحانه وتعالى وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع، فلم يشرع في الكذب قطع اللسان، ولا القتل، ولا في الزنا الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس، وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته، ولطفه وإحسانه وعدله لتزول النوائب، وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان، ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه، فلا يطمع في استلاب غيره حقه (٢).


(١) أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (جامع الأصول: ٣٤٩/ ٤).
(٢) السياسة الشرعية لابن تيمية: ص ٩٨، ورسالته في القياس: ص ٨٥. ولابن القيم قول مشابه لهذا في أعلام الموقعين: ٩٥/ ٢، ١٠٧ وما بعدها، وكذا لعز الدين بن عبد السلام شيخ الإسلام في قواعد الأحكام: ١٦٣/ ١ - ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>