الفروع والجزئيات الاجتهادية لا في الأصول والغايات، لكن ما أشد الحاجة حينئذ لعرض الفقه بأسلوب سهل حديث مدعم بالدليل الصحيح، لموازنة الآراء الفقهية، وتعرف سبل الترجيح بينها، أو اختيار الأصلح المناسب للزمن منها.
وهذا ما حاولت فعله في إعداد هذا الكتاب، بعد بذل جهود ـ الله أعلم بها ـ لتحقيق كل رأي فقهي، ومعرفة حكم كل مسألة في متاهات الكتب القديمة، رجاء تحقيق النفع به والإفادة منه.
[تعريف الحد]
الحد في اللغة: المنع، ولذا سمي البواب حداداً لمنعه الناس عند الدخول، وسميت العقوبات حدوداً، لكونها مانعة من ارتكاب أسبابها، وحدود الله: محارمه؛ لأنها ممنوعة، بدليل قوله تعالى:{تلك حدود الله فلا تقربوها}[البقرة:١٨٧/ ٢] وحدود الله أيضاً: أحكامه أي ما حده وقدره، فلا يجوز أن يتعداه الإنسان، وسميت حدوداً؛ لأنها تمنع عن التخطي إلى ما وراءها، بدليل قوله تعالى:{تلك حدود الله فلا تعتدوها}[البقرة:٢٢٩/ ٢].
والحد في الشرع في اصطلاح الحنفية: عقوبة مقدرة واجبة حقاً لله تعالى، فلا يسمى التعزير حداً؛ لأنه ليس بمقدر، ولا يسمى القصاص أيضاً حداً؛ لأنه وإن كان مقدراً، لكنه حق العباد، فيجري فيه العفو والصلح، وسميت هذه العقوبات حدوداً؛ لأنها تمنع من الوقوع في مثل الذنب.
والمراد من كونها حقاً لله تعالى: أنها شرعت لصيانة الأعراض والأنساب والأموال والعقول والأنفس عن التعرض لها (١). غير أن بعض هذه الحدود كحد