للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحنابلة (١): يجوز التوكيل في إثبات القصاص وحد القذف في حضرة الموكل وغيبته؛ لأنهما من حقوق الآدميين، وتدعو الحاجة إلى التوكيل فيهما. وكذلك الحدود الخالصة لله تعالى كحد الزنا والسرقة: يجوز التوكيل في إثباتها؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلم وكل أنيساً في إثبات واستيفاء حد الزنا، فإنه قال: «فإن اعترفت فارجمها» وهذا يدل على أنه لم يكن ثبت، وقد وكله في إثبات الحد واستيفائه جميعاً.

والوكيل يقوم مقام الموكل في درء الحدود بالشبهات.

٢ - التوكيل في استيفاء الحدود: اتفق أئمة المذاهب الأربعة في الجملة على أنه يجوز للحاكم التوكيل في استيفاء (٢) حدود الله تعالى وفي القصاص، غير أنه قد يوجد خلاف في المذهب في صحة التوكيل بالاستيفاء حال غياب الموكل عن مجلس الاستيفاء أي والموكل غير حاضر. وأذكر هنا تفصيل كل مذهب على حدة:

قال أبو حنيفة ومحمد: أما التوكيل من صاحب الحق باستيفاء الحدود التي تحتاج إلى إقامة الدعوى كحد القذف وحد السرقة، فإن كان الموكل حاضراً بأن يحضر هو ووكيله حال تنفيذ الحد، فإنه يجوز التوكيل إذ ليس كل أحد يحسن الاستيفاء إما لضعف قلبه أو لنقص خبرته ومعرفته. وأبو يوسف: لا يجيز التوكيل في استيفاء حد القذف وحد السرقة، كما لا يجوز التوكيل في إثباتهما، والظاهر أنه يقول: إن التوكيل في الحدود التي هي من حقوق الله تعالى لا معنى له، سواء


(١) المغني: ٨١/ ٥ ومابعدها، غاية المنتهى: ١٥٠/ ٢.
(٢) استيفاء: أي توفية الحد وتنفيذه على الجاني. وحقوق الله أي أن الله تعالى قرر لها عقوبة ثابتة ليس للمجني عليه فيها شأن، فلا بد من تنفيذها.

<<  <  ج: ص:  >  >>