٢ - غياب الرق في العصر الحالي: كان الرق مشروعاً عند الأمم القديمة والفلاسفة وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وكان الرومان أول من استعبد الأسرى وسخر الشعوب المغلوبة، وكانت وجوه الاسترقاق عندهم بالذات متعددة.
وكان الرق عماد الحركة التجارية والزراعية، وعدّ نظاماً أساسياً في حياة الشعوب القديمة ودعامة في كيانها الاقتصادي والاجتماعي.
ولم ير أهل الإسلام المجتهدون ـ والحالة هذه - إلغاء الرق في العالم، حتى لا تصطدم دعوة الإسلام مع مألوف النفوس، ولئلا تضطرب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، فيكثر المجادلون والمعارضون، وينتشر الفقر والعوز في المجتمع، وتتعدد حينئذ جرائم العبيد قبل تحريرهم.
وبما أن الأصل في الإنسان وفي تشريع الإسلام هو الحرية، وأن الحرية مما يحرص الإسلام على وجودها وحمايتها، فإن الإسلام عالج قضية الرق بالتدريج، وهيأ أسباباً للقضاء على الرق، ومنع سائر مصادره ما عدا رق الأسر بسبب الحرب العادلة لدفع العدوان وحفظ التوازن مع الأمم الأخرى، ومعاملة بالمثل، وما عدا الرق بسبب الوراثة، ثم فتح منافذ عديدة لإنهاء الرق ورغَّب فيها من طريق العتق والتحرير إما قربة مجردة لله تعالى وطريق نجاة في الآخرة، وإما كفارة عن كثير من الجرائم والذنوب كالقتل واليمين التي حنث بها الحالف، والظهار من الزوجة، وجعل مصير الأسرى في الغالب إما المن (إطلاق السراح بدون مقابل) وإما الفداء أو المفاداة (تبادل الأسرى). وأوصى بمعاملة الرقيق بالحسنى، وخصص سهماً من الصدقات التي تجبى لتنفق في سبيل تحرير الرقاب.
وأثمرت توجيهات الإسلام في تهيئة الضمير البشري للإحساس بهذه