للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - أسباب الإباحة: هي أسباب موضوعية ترجع إلى ظروف خارجة عن شخص الفاعل تمنع توافر علة التجريم، وتؤدي إلى عدم تطبيق العقوبة على من يرتكب فعلاً يعد في الأصل جريمة، مثل ممارسة حق الدفاع الشرعي واستعمال الحق، فتعتبر أفعال الدفاع مباحة باتفاق الفقهاء، فلا مسؤولية على المدافع من الناحيتين المدنية والجنائية، إلا إذا تجاوز حدود الدفاع المشروع، فيصبح عمله جريمة يسأل عنها مدنياً وجزائياً. والدفاع عامل مهم من عوامل منع الجريمة. واستعمال الحق مثل رضاء المجني عليه يسقط القصاص للشبهة، ورفع العقاب عن المكره ومثله المضطر في الشريعة يتمشى مع مراعاة الوظيفة الإنسانية للعقوبة، فلا قصاص في رأي الحنفية والظاهرية على المستكره على القتل، ولا عقاب عند جمهور الفقهاء على المرأة المستكرهة على الزنا، لقوله تعالى: {ولا تُكْرِهُوا فتياتِكم على البِغَاءِ إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا، ومَنْ يكرِههن، فإنَّ الله من بعد إكراهِهِن غفورٌ رحيمُ} [النور:٣٣/ ٢٤] وكذا لا عقاب على الرجل المكره على الزنا في مذهبي الحنفية والشافعية، لأن الإكراه يوّرث شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات (١).

والمضطر لا عقاب عليه، لأن عمر رضي الله عنه أوقف قطع يد السارق عام الرمادة أو المجاعة العامة بالناس، وقال: «لا أقطع في عام سنة» (٢). وذكر ابن القيم أن عمر رضي الله عنه أتي بامرأة جهدها العطش، فمرت على راع فاستقت، فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، ففعلت، فشاور الناس في رجمها، فقال


(١) البدائع: ١٧٥/ ٧ وما بعدها، بداية المجتهد: ٣٨٩/ ٢، الشرح الكبير للدردير: ٤٤٤/ ٣، الفروق للقرافي: ٢٠٨/ ٢، قواعد الأحكام: ١٣٢/ ٢، القواعد لابن رجب: ص ٢٨٦ وما بعدها، كشاف القناع: ٩٨/ ٤، المغني: /٦٤٥، أعلام الموقعين: ١٨٣/ ٤، بتحقيق عبد الحميد.
(٢) أعلام الموقعين: ٣٣/ ٣، مطبعة النيل بمصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>