للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ً - قبول الهدية: لا يقبل القاضي هدية أحد إلا من ذي رحم محرم، أو ممن جرت عادته قبل القضاء بمهاداته؛ لأن المقصود في الأول صلة الرحم، وفي الثاني استدامة المعتاد. والحاصل أن المهدي إذا كان له خصومة في الحال يحرم قبول هديته، لأنها بمعنى الرشوة، قال صلّى الله عليه وسلم: «هدايا العمال غلول» (١) وروي: «هدايا العمال سحت» وفي لفظ: «هدايا السلطان سحت». وأخرج أبو داود عن بريدة حديثاً بلفظ: «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً، فما أخذه بعد ذلك فهو غلول» وقال عليه الصلاة والسلام في قصة ابن اللُّتبِيّة: «ما بال العامل نبعثه فيجيء، فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، ألا جلس في بيت أمه، فينظر أيهدى إليه أم لا؟» (٢) ولأن الهدية تدعو إلى الميل للمهدي، وينكسر بها قلب خصمه. وهذا كله دليل على تحريم قبول الهدية على الحاكم بعد تولي القضاء؛ لأن للإحسان تأثيراً في طبع الإنسان، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، فربما مالت نفسه إلى المهدي ميلاً يؤثر في الميل عن الحق عند وجود خصومة بين المهدي وبين غيره، والقاضي لا يشعر بذلك، ويظن أنه لم يخرج عن الصواب بسبب ما قد زرعه الإحسان في قلبه.


(١) رواه أحمد والبيهقي وابن عدي والبزار من حديث أبي حميد الساعدي وإسناده ضعيف، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة، وإسناده أشد ضعفاً (تلخيص الحبير: ١٨٩/ ٤، نيل الأوطار: ٢٩٧/ ٧، ٢٦٨/ ٨، مجمع الزوائد: ٢٠٠/ ٤) والغلول: الخيانة.
(٢) متفق عليه بين البخاري ومسلم عن أبي حميد الساعدي، قال: «استعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد، يقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم، قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «ما بال عامل أبعثه، فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلى، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه، حتى ينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منها شيئاً إلا جاء يوم القيامة يحمله على عنقه، إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ثم قال: اللهم، هل بلَّغت؟ مرتين أو ثلاثاً» (الإلمام في أحاديث الأحكام: ص ٥١٦، سنن أبي داود: ١٢١/ ٢، نيل الأوطار: ٢٩٧/ ٧) واللتبية بتشديد اللام المضمومة وسكون التاء وكسر الباء وتشديد الياء المكسورة. وقال ابن السرح: ابن الاتبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>