الإسلام في نفوس المؤمنين، كلها عوامل أيضاً لإضغاف بواعث الإقدام على الجريمة، والصد عن اقتراف المعصية حتى يكاد ذلك كله يمنع الانحراف، وليس أدل على ذلك من أن نسبة الجرائم في البلاد الإسلامية أقل عدداً، وأخف خطراً، وأرقى نوعاً مما نسمعه ونشاهده من جرائم عديدة ومتنوعة في البلاد المتطورة أو المتقدمة المتمدنة حديثاً كما سبق بيانه.
الأمل في العفو: هناك آمال معقودة في القضاء يقرها الشرع عند النظر في التهمة، بإصدار الحكم بالبراءة لعدم ثبوت أو كفاية الأدلة، أو العفو من الحاكم أو رئيس الدولة، أو بإسقاط المدعي حقه الشخصي، أو بحكم القاضي بوقف التنفيذ أو تأجيل تنفيذ الحكم الجزائي، أو بإعطاء القاضي سلطة تقديرية مرنة في اللجوء إلى أخف العقوبات، أو العفو عنها في نطاق التعزيرات «أي العقوبات المفوضة إلى رأي القضاة نوعاً ومقداراً» في غير دائرة الحدود أو بالتخيير بين حدين أدنى وأعلى، وهي دائرة واسعة تشمل أكثر الجرائم، وتكاد تكون عقوبات القوانين الجزائية كلها والمطبقة في البلاد العربيةوالإسلامية، تدخل تحت اسم التعزيرات، كما أن احتمالات العفو من صاحب الحق الشخصي كثيرة، لترغيب القرآن الكريم بالعفو والصفح، قال الله تعالى:{والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين}[آل عمران:١٣٤/ ٣] وقال تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتقوى}[البقرة:٢٣٧/ ٢].
حكمة تنوع العقاب: اقتضت الحكمة الإلهية كما تقدم أن يكون العقاب في الإسلام نوعين: العقاب الأخروي، والعقاب الدنيوي.
الأول: الذي هو أشد وأنكى وأدوم وأخطر مؤجل أو مرجأ لنهاية الحياة الإنسانية، كما عرفنا، لإعطاء الفرصة الكافية أمام البشر عبر مسيرة حياتهم