تاسعاً - شرعية الجريمة والعقوبة، أو مبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)، وتأثير ذلك على ظاهرة الإجرام:
إن التصور السابق للجريمة المنصوص على تجريمها في قوانين الدولة العقابية، ومعرفة نوع العقوبة المقررة قانوناً في تقنين منشور متداول، يعد حاجزاً قوياً ما نعاً من الإجرام والتفكير بالجريمة والتخطيط لها.
لذا ظلت النظم الديمقراطية تحترم مبدأ قانونية أو شرعية الجرائم والعقوبات، بمعنى تركيز سلطة التجريم في يد الشارع أو من يفوضه في ذلك ضمن حدود معلومة، وقد أعلنت هذا المبدأ الثورة الفرنسية ونصت عليه وثيقة «إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام (١٧٨٩م) في المادة الثامنة، استجابة لصيحات الفلاسفة والمفكرين الذين حملوا على ما كان عليه القضاة من سلطة تحكمية أدت إلى إسراف في العقاب وعسف بحريات الأفراد، ونص عليه في المادة الرابعة من قانون العقوبات الذي أصدره نابليون سنة (١٨١٠م)، ثم انتقل إلى الشرائع الأخرى، وصاغه العرف القانوني بعبارة موجزة هي «لا جريمة ولا عقوبة بغير نص». والحكمة منه كفالة حقوق الأفراد وحريتهم في أفعالهم وتصرفاتهم، إذ لو ترك أمر التجريم للقاضي، لأضحى الأفراد في حيرة من أمرهم، ثم إن العدالة والمنطق يقضيان به حتى لا تواجه الدولة الأفراد بعقاب لا علم لهم به.
وبما أن هذا المبدأ يؤدي إلى جمود التشريع الجنائي وتخلفه عن مسايرة التطورات الحديثة، فقد اتجه الفقه والقضاء عامة إلى ضرورة التخفيف من حدته، وتوسيع سلطة القاضي في تقرير العقوبة أو إيقاف تنفيذها أحياناً، ولكن دون إخلال بأصل المبدأ، وهو حرمان القاضي من سلطة التجريم.
وفي هذا المجال أيضاً نجد بعض رجال القانون الوضعي يتهمون الشريعة