للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلامية جهلاً وغلطاً وظلماً وتعصباً ضدها بأنها تترك أمر التجريم للقاضي. ومنشأ الاتهام راجع في تقديرنا إلى ناحية تنظيمية: هي عدم وجود تقنين خاص بالجرائم والعقوبات عند الفقهاء الشرعيين المعاصرين، مع أن الأمر سهل جداً، إذ لا مانع شرعاً من وجود مثل هذا التقنين، ومن اليسير على فقهاء الشريعة إيجاده وصياغته في أشهر معدودة، إذا أظهرت السلطة الحاكمة استعدادها لتطبيق وإنفاذ العمل به، وقد وجد فعلاً بعض هذه التشريعات في ليبيا والسودان والإمارات. ولكن لا يعني عدم التقنين أن القاضي حر التصرف بالعقاب حرية مطلقة، وإنما الأمر في شأن التعازير (العقوبات غير المنصوص صراحة على نوعها ومقدارها) راجع شرعاً وفقهاً لتقدير ولي الأمر الحاكم أي الدولة، فالدولة تضع للقضاة من الأنظمة والقوانين الجزائية ما يناسب العصر، وعلى وفق ما تراه اللجان المتخصصة المكونة عادة من العلماء والفقهاء، بحسب متطلبات المصلحة العامة، ومقتضيات الزمان وتطور الأحداث.

لذا كان ينبغي أن يعرف هؤلاء القانونيون أن مبدأ التفويض لولي الأمر في تقدير العقوبات التعزيرية في الإسلام، هو في الأصل مبدأ دستوري تمارسه الدولة مقيدة بأحكام الشريعة، كما هو الشأن في أن كل دولة لها الحق في وضع القوانين الداخلية التي تريدها.

وعليهم أن يعرفوا أن الإسلام يفترض في كل مسلم ومسلمة تعلم أحكام شريعته، ومعرفة الفرائض والحلال والحرام، والمعاصي والعقوبات أو الجزاءات المقررة في الإسلام؛ لأن من الفرائض الشرعية العينية المطلوبة من كل المسلمين تعلم الحد الأدنى المفروض العلم به من الشريعة، فلا يصلح الاحتجاج بتقصير المسلمين في التعلم سبباً للقول بأن الأفراد لا يعلمون ما هو ممنوع ولا أنواع العقوبات، حتى توجد التقنينات.

<<  <  ج: ص:  >  >>