للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن كتب الشريعة، سواء القرآن والسنة ومصنفات الفقهاء المطولة والموجزة، فيها البيان الواضح المفصل لكل المعاصي والمخالفات، والكبائر والصغائر، والتحذير من مخاطرها وبيان مدى ضررها، والتصريح بالعقوبات الدنيوية والأخروية المقررة لها.

والقاضي لا يملك في الشريعة سلطة التجريم وتحديد أصل العقاب بحسب رغبته وهواه، كما يفهم خطأ، وإنما هو مقيد في ذلك بأحكام الشريعة، وبما تضعه له الدولة من نظام، إذ ليس لأي مسلم سلطة التشريع، وإنما السلطان في الأحكام إنشاء ووضعاً للشريعة والمشرع وهو الله تعالى، كل ما في الأمر هو أن للقاضي سلطات تقديرية في التطبيق فقط، حسبما يرى ملائماً لظروف الجريمة والجاني ولكن في غير دائرة الحدود والقصاص المنصوص على أحكامها صراحة، وإنما في مجال التعزيرات التي يمكن إدخال أغلب نصوص القوانين الجزائية الحديثة في مضمونها.

ويوضح ذلك أن الشريعة ـ كما هو معروف ـ جاءت حرباً على الأهواء الشخصية والنزعات والميول الفردية، كما دل على ذلك القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى: {ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم} [الإسراء:٣٦/ ١٧] وقوله سبحانه: {إن يتّبعون إلا الظن، وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى} [النجم:٢٣/ ٥٣] وقوله عز وجل: {وما لهم به من علم، إن يتَّبعون إلا الظن، وإن الظنَّ لا يُغْني من الحق شيئاً، فأعرضْ عمن تولَّى عن ذِكْرنا، ولم يرِدْ إلا الحياة الدنيا} [النجم:٢٨/ ٣٥ - ٢٩] وقوله جل جلاله: {ولو اتّبعَ الحقُّ أهواءهم، لفسدت السموات والأرضُ ومن فيهن، بل أتيناهم بِذِكْرهم، فهم عن ذِكْرهم مُعْرضون} [المؤمنون:٢٣/ ٧١].

<<  <  ج: ص:  >  >>