المستضعفين، وفتنة الأتباع الضعفاء لمدة ثلاثة عشر عاماً في مكة، بعد أن حصل منهم كل هذا وغيره، تنزلت آيات الوحي ملأى بالزجر والقوة والتهديد والوعيد، والإنذار بالعقاب والتحذير من تعجيل العذاب الشديد، فأعذر الحق سبحانه وتعالى نفسه من هؤلاء المعاندين المعرضين علواً في الأرض واستكباراً ومكراً سيئاً، وحفاظاً على الزعامات والرياسات والمصالح المادية، وتبين للناس قاطبة أن شيئاً سيحدث، وأن المقصرين والمعرضين عن إجابة نداء الوحي والقرآن بالإصلاح والإقلاع عن الجريمة جديرون بالتأديب مستحقون للعقاب.
أدلة وجوب البيان السابق: تم الإعلان الشهير في آي القرآن عن قبح العقاب بلا بيان، فقال الله تعالى:{رسلاً مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}[النساء:١٦٥/ ٤] ثم أوضح القرآن كل ما يقطع الأعذار والإمهال والتراخي في الاستجابة لرسالة الإصلاح، فقال تعالى:{ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قَبْله، لقالوا: ربَّنا لولا أرسلت إلينا رسولاً، فنتَّبِع آياتِك من قبل أن نَذِل ونَخْزَى}[طه:١٣٤/ ٢٠] وقدَّم سبحانه العذر قبل مفاجأة العذاب الأخروي، فقال:{كلما ألقي فيها فوج، سألهم خزنتها: ألم يأتكم نذير؟ قالوا: بلى قد جاءنا نذير فكذَّبنا وقُلْنا: مانزَّل الله من شيء، إن أنتم إلا في ضلال كبير}[المُلك:٨/ ٦٧ - ٩] ونفى القرآن الكريم احتمال تطبيق العقاب قبل بعثة الرسل المزوَّدين بأنواع الهداية، والتعريف بأصول الحياة المستقيمة والازدهار والحضارة والإرشاد إلى أرقى الأنظمة، فقال الله تعالى:{وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولاً}[الإسراء:١٥/ ١٧].
وسواء قلنا: إن الرسول: هو المرسل بهداية إلهية ومواعظ سماوية وأحكام تشريعية، وهو الحق المتبادر إلى الذهن، وهوقول جمهور المسلمين، أو إن الرسول هو العقل، كما يقول المعتزلة، فإن العقل لا يعدو أن يكون أحد وسائل الهداية