للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على التقييد من عرف أو غيره، فيتقيد به. وعليه إذا وكل رجلاً بشراء دابة وسمى نوعها وثمنها، بأن قال: حماراً أو نحوه، فاشترى دابة عوراء، جاز الشراء ولزم الموكل، وكذا إذا اشترى دابة عمياء أو مشلولة اليدين أو الرجلين، ألزم الموكل بالشراء عند أبي حنيفة؛ لأن اسم الدابة بإطلاقها يقع على هذه الدابة، كما يقع على سليمة الأعضاء، فلا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل.

وقال الصاحبان: لا يلزم الموكل بهذا الشراء، ويلزم الوكيل به؛ لأن الدابة تشترى لاستخدامها عرفاً وعادة، وغرض الاستخدام لايحصل عند فوات جنس المنفعة، فيتقيد المشترى بالسلامة عن هذه الصفة بدلالة العرف.

وإذا وكِّل إنسان بشراء شيء وكالة صحيحة ولم يسمِّ له الموكل ثمناً، فاشترى الوكيل الشيء بمثل القيمة، أو بأقل من القيمة، أو بزيادة يتغابن الناس في مثلها، جاز الشراء على الموكل. وإن اشترى الوكيل بزيادة لا يتغابن الناس في مثلها، يلزم الوكيل بالشراء؛ لأن الزيادة القليلة مما لا يمكن الاحتراز عنها، فجاز الشراء على الموكل، حتى لا يضيق الأمر على الوكلاء، ولتأمين حاجة الناس إلى الوكالات، وهذا هو الراجح لدى الحنفية.

وأما الزيادة الكثيرة فلا ضرورة فيها، لإمكان الاحتراز عنها (١).

والضابط المميز بين الزيادة القليلة والكثيرة في الراجح عند الحنفية هو كما عرفنا سابقاً: إن كانت الزيادة داخلة تحت تقويم المقومين لثمن الشيء، فهي قليلة، وإن كانت غير داخلة تحت تقويمهم فهي كثيرة؛ لأن الزيادة حينئذ تكون متحققة.


(١) الخلاصة أن الشراء بالغبن الفاحش لاينفذ على المشتري باتفاق أئمة الحنفية، أما البيع بغبن فاحش ففيه اختلاف، قال أبو حنيفة: ينفذ البيع على الموكل عملاً بإطلاق التوكيل، وقال الصاحبان: لا ينفذ البيع؛ لأن المطلق مقيد بالعرف، وهو الراجح.

<<  <  ج: ص:  >  >>