للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخلاصة: إن فقهاءنا عرفوا مبدأ الطعن في الأحكام، ولا يعد تنظيم المحاكم حديثاً مخالفاً لمبادئ الإسلام، وإنما يتمشى معها، عملاً بما قرره الفقهاء فيما يجوز نقضه من الأحكام أو الطعن في الحكم بسبب التهمة الموجهة للقاضي. وقد عرف القضاء في الأندلس فعلياً مبدأ القضاء بالرد.

[صفة قضاء القاضي]

يلاحظ أخيراً أن حكم القاضي عند جمهور العلماء يعتمد الظاهر في المال وغيره من الأحوال الشخصية، فلا يحل الحرام ولا يحرم الحلال، ولا ينشئ الحقوق وإنما يظهرها ويكشف عنها في الوقائع، عملاً بالحديثين السابقين: «نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر» (١) «إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحوٍ مما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار» (٢).

وقال أبو حنيفة: ينفذ حكم القاضي في العقود والفسوخ ظاهراً وباطناً؛ لأن مهمته القضاء بالحق. فلو ادعى رجل على امرأة أنه تزوجها، فأنكرت، فأقام على ادعائه شاهدي زور، فقضى القاضي بعقد الزواج بينهما، حل للرجل الاستمتاع بها. ولو قضى القاضي بالطلاق فرق بينهما، وإن كان الرجل منكراً. ونفاذ حكم القاضي على هذا النحو مقيد بشرطين: ألا يعلم بكون الشهود زوراً، وأن يكون من الأمور التي له فيها صلاحية الإنشاء.

المبحث الثالث ـ التحكيم التحكيم: أن يحكم المتخاصمان شخصاً آخر لفض النزاع القائم بينهما على


(١) لم يثبت بهذا اللفظ.
(٢) رواه الجماعة عن أم سلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>