التشريع الإسلامي الذي يمنع من اكتناز النقود، ويحرم الفائدة المصرفية في غير حال الضرورة القصوى، ويفتت الملكية عن طريق الإرث، ويلغي الاستثمار الرأسمالي للثروات الطبيعية الخام، كل ذلك يؤدي إلى إذابة الفوارق بين الطبقات، ويقلل التفاوت الصارخ بين الأفراد في تملك الأموال. وهكذا جفف الإسلام كل المنابع التي تؤدي إلى الطبقية، كما أن لولي الأمر صلاحيات واسعة النطاق في تحقيق العدالة ومنع الضرر والتعسف في استعمال الحق، مما يوجد نوعاً من التوازن الاقتصادي. ومن أمثلة ذلك أن الرسول صلّى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة آخى بين المهاجرين الفقراء وبين الأنصار، فكان يقاسم المهاجري مال الأنصاري، وكان أبو بكر الصديق يسوي في العطاء من الغنائم بين الناس، وحينما اتسعت الفتوحات الإسلامية، أجمع الصحابة بقيادة عمر بن الخطاب على عدم توزيع الأراضي بين الفاتحين، وإنما تركت في أيدي أهلها حفاظاً على مبدأ التوازن الاقتصادي بين الرعية جميعاً، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، قال الله تعالى:{ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كيلا يكون دُولة بين الأغنياء منكم}[الحشر:٧/ ٥٩] أي إن أموال الفيء والأراضي ملك للجميع.
سادساً ـ أسس العدالة الاجتماعية في الإسلام:
مبدأ العدالة الاجتماعية هو الركن الثالث من أركان النظام الاقتصادي الإسلامي، ولقد استطاع المسلمون أن يترجموا هذا المبدأ إلى واقع فعلي فعّال، جعل المجتمع الإسلامي مجتمعاً متراحماً متعاوناً متآخياً متحاباً، متناصراً متضامناً وقت اليسار والإعسار. وتلك هي صفات المجتمع الإنساني الأفضل، ذلك المجتمع الذي صانه الإسلام من مختلف العيوب الخلقية والاجتماعية