وحينما تأخرت إمامة علي واختلط الناس فيها وجاروا، احتاجوا إلى صرامة في السياسة، فكان علي رضي الله عنه أول من نظر في مظالم النا س، ولم يعين يوماً محدداً لها.
وعندما تجاهر الناس بالظلم في عهد الدولة الأموية كان عبد الملك بن مروان أول من أفرد للظلامات يوماً يتصفح فيه قصص المتظلمين.
ثم زاد جور الولاة وظلم العتاة ولم يكفهم إلا أقوى الأيدي وأنفذ الأوامر، فكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله أول من ندب نفسه للنظر في المظالم، فردها، وراعى السنن العادلة، ورد مظالم بني أمية على أهلها، فلما عوتب في شدته عليهم فيها قال:«كل يوم أتقيه وأخافه دون يوم القيامة لا وُقِيته».
ثم جلس لها من خلفاء بني العباس جماعة، أولهم المهدي ثم الهادي ثم الرشيد ثم المأمون وكان آخرهم المهتدي، حتى عادت الأملاك إلى مستحقيها (١).
وهكذا نشأ نظام المظالم واستقل عن القضاء العادي.
ثانياً ـ صفة ناظر المظالم: كان الخليفة كما تقدم أول من نظر المظالم ومثله الوزراء والأمراء. ويصح النظر في المظالم بتقليد خاص من ولي الأمر لكل من توافرت فيه شروط ولاية العهد، أو وزارة التفويض، أو إمارة الأقاليم إذا كان نظره في المظالم عاماً.
فإن اقتصرت مهمة المقلد للقضاء على تنفيذ ما عجز القضاة عن تنفيذه، وإمضاء ما قصرت يدهم عن إمضائه، جاز أن يكون ناظر المظالم دون مرتبة الوزير والأمير في القدر والخطر، بشرط ألا تأخذه في الحق لومة لائم.