للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٥ - التطبيق الأصلي لهذا المصرف في إعانة المكاتب لتحرير نفسه من الرق]

رغب الله تعالى في كتابة العبد على أقساط معينة مؤجلة ليتمكن من عتق نفسه واسترداد حريته، في قوله تعالى: {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً، وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور:٣٣/ ٢٤] وقد أخرج النسائي من حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً أنه صلّى الله عليه وسلم قال: «في الآية ربع الكتابة» (١). وقد فسر قوله تعالى: {وفي الرقاب} [التوبة:٦٠/ ٩] بإعانة المكاتبين. وأخرج ابن جرير وغيره عن علي رضي الله عنه أنه قال: أمر الله السيد أن يدع الربع للمكاتب من ثمنه. وهذا تعليم من الله وليس بفريضة، ولكن فيه أجر. وقد أوردتُ أحاديث في أدلة المذاهب لعون المكاتب. وعملاً بهذا الأمر الإلهي والأحاديث الواردة في ترغيب السيد بمكاتبة عبده، بادر الناس في الماضي إلى مساعدة المكاتب من الزكاة وغيرها لتحرير رقبته من العبودية، حتى وإن ملك نصاباً زائداً على بدل الكتابة، كما يرى الحنفية، وبشرط ألا يكون مع المكاتب ما يفي بنجومه (أقساطه) كما يرى الشافعية والحنابلة، فيعطى المكاتب وفاء دينه لعجزه عن وفاء ما عليه، ولو مع قدرته على التكسب ولو قبل حلول أجل ميعاد تسديد النجم (القسط). ويعطى من الصدقات غير الزكاة في مذهب المالكية.

والتطبيق الفعلي لسهم «في الرقاب» وصرفه في المكاتبين كان في الغالب يتم بإعطائهم من الزكاة النقدية أو العينية، كالزروع والثمار والأنعام، أو من الصدقات، كما دل عليه الحديث السابق في أدلة المذاهب عن الحسن البصري أن مكاتباً قام إلى أبي موسى الأشعري، وهو يخطب يوم الجمعة، عارضاً حاجته،


(١) وليس في الآية تعرض لمقدار ما يعطى المكاتب، إنما فيها الأمر بالمساعدة، ولهذا قال النسائي: والصواب وقفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>