ولا تأثير للسبب أو الباعث على العقد إلا إذا كان مصرحاً به في صيغة التعاقد، أي تضمنته الإرادة الظاهرة كالاستئجار على الغناء والنوح والملاهي وغيرها من المعاصي. فإذا لم يصرح به في صيغة العقد بأن كانت الإرادة الظاهرة لا تتضمن باعثاً غير مشروع، فالعقد صحيح لاشتماله على أركانه الأساسية من إيجاب وقبول وأهلية المحل لحكم العقد، ولأنه قد لا تحصل المعصية بعد العقد، ولا عبرة للسبب أو الباعث في إبطال العقد، أي أن العقد صحيح في الظاهر، دون بحث في النية أو القصد غير المشروع، لكنه مكروه حرام، بسبب النية غير المشروعة.
وبناء عليه قال الحنفية والشافعية بصحة العقود التالية مع الكراهة التحريمية عند الحنفية والحرمة أو الكراهة عند الشافعية:
١ - بيع العينة:(أي البيع الصوري المتخذ وسيلة للربا) كبيع سلعة بثمن مؤجل إلى مدة بمئة ليرة، ثم شراؤها في الحال بمئة وعشر، فيكون الفرق ربا (١). لكن أبا حنيفة استثناه من مبدئه في عدم النظر إلى النية غير المشروعة، اعتبر هذا العقد فاسداً إن خلا من توسط شخص ثالث بين المالك المقرض والمشتري المقترض. فيكون بيع العينة ممنوعاً غير جائز عند مالك وأبي حنيفة وأحمد والهادوية من الزيدية. وجوز ذلك الشافعي وأصحابه مستدلين على الجواز في الظاهر بما وقع من ألفاظ البيع التي لايراد بها حصول مضمونه.
٢ - بيع العنب لعاصر الخمر، أي لمن يعلم البائع أنه سيتخذه خمراً، أو يظنه ظناً غالباً، وهو حرام عند الشافعية، فإن شك في اتخاذه خمراً أوتوهمه فالبيع مكروه في رأيهم.
(١) وسميت هذه المبايعة عينة لحصول النقد لصاحب العينة؛ لأن العين: هو المال الحاضر، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره، ليصل به إلى مقصوده.