للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنشأ الخلاف بين الحنفية والجمهور: هل حد القذف خالص للإنسان، فيجري فيه الاستحلاف كما في سائر حقوق العباد، أو أن فيه حقين، وحق الله غالب، فلا يحلف، وقد سبق بيانه في صفة حد القذف.

[المبحث السادس ـ صلاحيات القاضي في إثبات القذف]

إذا رفعت دعوى القذف إلى القاضي، فإما أن ينكر القاذف، أو يقر. فإن أنكر وطلب المقذوف من القاضي التأجيل لإقامة البينة، وادعى أن له بينة في المصر على قذفه، فإنه يؤجله إلى أن يقوم من مجلسه، ويحبس (١) المدعى عليه القذف في تلك الفترة. فإن أحضر البينة قبل قيام الحاكم من مجلسه، تمَّ المقصود، وإلا خلَّى سبيله.

ولا يجوز عند أبي حنيفة في فترة الانتظار إلى آخر مجلس الحاكم أن يأخذ كفيلاً بنفس المدعى عليه؛ لأن المقصود من الكفالة إقامة الكفيل مقام المكفول عنه في إيفاء الحد، وهذا لا يتحقق في الحدود والقصاص، ولأن الكفالة شرعت للاستيثاق، والحدود مبناها على الدرء والإسقاط، قال عليه الصلاة والسلام: «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم» (٢) فلا يناسبها الاستيثاق بالكفالة، بخلاف الحبس، فإن الحبس للتهمة مشروع.

وقال الصاحبان والشافعية: يأخذ القاضي من المدعى عليه كفيلاً بنفسه إلى ثلاثة أيام، ليأتي بالبينة، ولا يحبسه؛ لأنه لا ضرر على المدعى عليه، فتؤخذ منه


(١) المراد من الحبس: الملازمة، أي يقال للمدعي: لازمه إلى هذا الوقت، لأن الحبس عقوبة، وبمجرد الدعوى لا تقام العقوبة على أحد (المبسوط: ١٠٦/ ٩).
(٢) تقدم تخريجه عن عائشة، وأنه ضعيف الإسناد، والأصح أنه موقوف على جماعة من الصحابة مثل عمر وعلي وابن مسعود وعقبة بن عامر ومعاذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>