للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه يراد بهذه الصفات آثارها عادة، لا نفسها، فالعلم يراد به المعلوم غالباً، والرحمة يراد بها الجنة، قال تعالى: {ففي رحمة الله هم فيها خالدون} [آل عمران:١٠٧/ ٣] والغضب والسخط يراد به أثر الغضب والسخط عادة:

وهو العذاب والعقوبة، لا الصفة نفسها، فلا يصير بذلك حالفاً إلا إذا نوى به الصفة، وكذا العرب لم تتعارف القسم بعلم الله تعالى، فلا يكون يميناً بدون النية (١). والخلاصة: أن المعول عليه هو العرف، فما تعارفه الناس أنه يمين فهو يمين وإلا فلا.

وقال الشافعية والحنابلة: الحلف بكلام الله وعلمه وقدرته يمين إلا أن ينوي بالعلم المعلوم، وبالقدرة المقدور، كما يقال: (اللهم اغفر لنا علمك فينا) أي معلومك منا ومن زلاتنا. ويقال: انظر (قدرة الله) أي مقدوره (٢).

الحلف على المصحف: الحلف على القرآن أو المصحف يمين باتفاق العلماء من مالكية وشافعية وحنابلة، وكذا عند الحنفية على ما رجحه الكمال بن الهمام والعيني؛ لأن الحالف بالمصحف إنما قصد الحلف بالمكتوب فيه: وهو القرآن، فإنه ما بين دفتي المصحف بإجماع المسلمين. وذلك إلا أن يريد الحالف بقوله (القرآن) الخطبة أو الصلاة، أو يريد بقوله (المصحف) الورق أو الجلد أو النقوش. وقد كان الحنفية يرون أن الحلف بالقرآن أو المصحف ليس يميناً، لأنه حلف بغير الله تعالى. ولكن بما أن القرآن كلام الله فهو من صفاته تعالى، لذا قال ابن الهمام: ولا يخفى أن الحلف بالقرآن الآن متعارف، فيكون يميناً، وقال العيني: وعندي أن المصحف يمين، لا سيما في زماننا (٣).


(١) البدائع: ٣ ص ٦، تبيين الحقائق: ٣ ص ١٠٩، فتح القدير: ٤ ص ٩، الدر المختار: ٣ ص ٥٨.
(٢) مغني المحتاج: ٤ ص ٣٢١ ومابعدها، المغني: ٨ ص ٦٩٠ ومابعدها، المهذب: ٢ ص ١٢٩.
(٣) انظر فتح القدير: ٤ ص ٩ - ١٠، البدائع: ٣ ص ٨، الفتاوى الهندية: ٢ ص ٥٠، الدر المختار: ٣ ص ٥٦، الشرح الكبير للدردير: ٢ ص ١٢٧، مغني المحتاج: ٤ ص ٣٢٢، المغني: ٨ ص ٦٩٥، ٧٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>