عند أبي حنيفة؛ لأن المعتبر في وصيتهم ما هو قربة عندهم لا ما هو قربة حقيقية؛ لأنهم ليسوا من أهل القربة الحقيقية، وقال الصاحبان: الوصية بما ذكر باطلة؛ لأن الوصية بهذه الأشياء وصية بما هو معصية، والوصية بالمعاصي لا تصح. والوصية بالمصاحف لتوقف في المسجد باطلة عند أبي حنيفة، صحيحة عند محمد. وإذا أوصى بفرش فراش تحته في قبره، فقيل: تصح كالزيادة في الكفن، وقيل: لا تصح لأنه ضياع مال من غير جدوى. وإذا أوصى بطلاء قبره بالجبس ونحوه، فقيل: إن كان لتقوية القبر وإخفاء الرائحة فيجوز، وإلا فلا. وإذا أوصى باتخاذ طعام في المآتم، فيصح بشرط أن يأكل منه المسافرون والبعيدون عن جهة المتوفى.
ومن أمثلة المعصية عند المالكية (١): الإيصاء بمال يُشترى به خمر لمن يشربها، أو يُدفع لمن يقتل نفساً بغير حق، والإيصاء ببناء مسجد أو مدرسة في أرض موقوفة مقبرة، والإيصاء لمن يصلي عنه أو يصوم عنه، والإيصاء باتخاذ قنديل من ذهب أو فضة ليعلق في قبر نبي أو ولي ونحوه، فإنه من ضياع الأموال في غير ما أمر به الشارع، وللورثة أن يفعلوا به ما شاؤوا.
والوصية بنياحة عليه بعد موته، أو بلهو محرم في عرس أو بإعطاء مال على مالا يحل كقتل نفس، والوصية بضرب قبة على قبر، مباهاة، فكل ما ذكر تبطل الوصية به، ولا ينفذ، ويرجع ميراثاً.
والوصية ببناء قبة عليه، وهو ليس من أهلها، أو يوصي بإقامة مولد على الوجه الذي يقع في هذه الأزمنة من اختلاط النساء بالرجال، والنظر للمحرم ونحوه من المنكر. وكأن يوصي بكتابة جواب سؤال القبر وجعله معه في كفنه أو قبره.
(١) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: ٤٢٧/ ٤، شرح الرصاع التونسي على حدود ابن عرفة: ص٥٣١.