فمن غلب المطلق على المقيد، وهم المالكية، قال: الزكاة في السائمة وغير السائمة. ومن غلَّب المقيد وهم الجمهور قال: الزكاة في السائمة منها فقط، وتغليب المقيد علي المطلق أشهر من تغليب المطلق على المقيد.
وأما دليل الخطاب (مفهوم المخالفة) فحديث «في سائمة الغنم» يقتضي ألا زكاة في غير السائمة، وعموم حديث «في أربعين شاةً شاةٌ» يقتضي أن السائمة في هذا بمنزلة غير السائمة، وقد أخذ المالكية بمبدأ أن عموم اللفظ أقوى من دليل الخطاب.
وأما القياس المعارض لعموم حديث «في أربعين شاة شاة»: فهو أن السائمة هي التي يتحقق مقصود الزكاة فيها وهو النماء والربح، وهو الموجود فيها أكثر ذلك، والزكاة إنما هي فضلات الأموال، والفضلات إنما توجد في الأموال السائمة، ولذلك اشترط فيها الحول، فالجمهور خصصوا بهذا القياس ذلك العموم، فلم يوجبوا الزكاة في غير السائمة. والمالكية لم يخصصوا ذلك، ورأوا أن العموم أقوى، فأوجبوا الزكاة في الصنفين جميعاً.
ورأيي أن قول الجمهور أصح، لاشتمال آخر الحديث صراحة على كون الماشية سائمة، وهو الذي يجب حمل أول الحديث عن الإبل عليه، إذ لا يعقل تعارض آخر الحديث مع أوله، فحديث أنس المتضمن كتاب أبي بكر في فرائض صدقة المواشي ذكر فيه أولاً مقادير زكاة الإبل، ثم ذكر فيه زكاة الغنم بلفظ «وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومئة».
ثالثاً ـ أنواع الأنعام التي تجب فيها الزكاة ونصاب كل نوع منها:
تجب الزكاة في الإبل والبقر والغنم، وأوجب أبو حنيفة خلافاً لصاحبيه