وأبين هنا مراحل التدرج التشريعي في تحريم الربا في القرآن الكريم، وأذكر الأحاديث النبوية الثابتة ثبوتاً لا شك فيه والمبينة لمدلول الربا، كما أذكر ما عليه قوانين الدول العربية في قضية الربا، ثم أناقش الشبهات التي يثيرها القائلون بإباحة فوائد المصارف الحديثة (١).
التدرج في التشريع: هذا من خصائص وأسس بيان الأحكام الشرعية، فلم تحرم الخمر مثلاً دفعة واحدة كما هو معروف، وإنما مر التحريم بمراحل أربع آخرها آيتا المائدة (٩٠ - ٩١): {إنما الخمر والميسر ... }[المائدة:٩٠/ ٥] وعقوبة الزنا مرت بمرحلتين: الأولى ـ الحبس للنساء والإيذاء للرجال في آيتي النساء (١٥، ١٦) والثانية ـ حد الجلد في سورة النور (٢){الزانية والزاني ... }[النور:٢/ ٢٤] وكذلك تحريم الربا مر بمراحل أربع:
أولها ـ تقبيح فعل اليهود الذين يأكلون الربا والتشنيع عليهم في قوله تعالى:{سَّماعون للكذب، أكَّالون للسُّحت ... }[المائدة:٤٢/ ٥] وقوله سبحانه: {فبظلمٍ من الذين هادُوا حرمنا عليهم طيبات أحلَّت لهم، وبصدِّهم عن سبيل الله كثيراً. وأخذهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً}[النساء:١٥٩/ ٤ - ١٦٠].
ثانيها ـ التفرقة بين الربا والزكاة في قوله تعالى:{وما آتيتم من رباً ليربو في أموال الناس، فلا يربو عند الله، وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله، فأولئك هم المضعفون}[الروم:٣٩/ ٣٠].
(١) علماً بأن مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي سنة ١٤٠٦ هـ ومجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة سنة ١٣٨٥ هـ الموافق ١٩٦٥ م انتهت إلى أن فوائد المصارف من الربا الحرام (انظر كتابي الدكتور محمد علي السالوس في الرد على إباحة فتاوى المبيحين).