لكن المالكية (١) قالوا: إذا اجتمعت المباشرة والسبب، فالقصاص عليهما معاً، فيشارك القاتل والممسك في الضمان أو القصاص، لتسبب الممسك ومباشرة القاتل. ومثله الدال الذي لولا دلالته ما قتل المدلول عليه، قياساً على الممسك. كذلك يقتص عندهم من الحافر والمردي معاً.
والخلاصة: إن المباشر ضامن إذا تغلبت المباشرة على السبب.
ثانياً ـ ضمان المتسبب وحده:
المتسبب: هو الذي يحدث أمراً يؤدي إلى تلف شيء آخر بحسب العادة، إلا أن التلف مباشرة لا يقع منه، وإنما بواسطة أخرى هي فعل فاعل مختار. ويضمن المتسبب وحده إذا كان متعدياً، عملاً بقاعدة «المتسبب لايضمن إلا بالتعدي» سواء أكان بقصد أم لا، أو بقاعدة «يضاف الفعل إلى المتسبب إن لم يتخلل واسطة»، وذلك إذا تعذر تضمين المباشر لكونه غير مسؤول أو غير موجود أو غير معروف، أو كان فعل المتسبب أقوى من المباشر. فمن دفع إلى صبي سكيناً ليمسكه له، فوقع عليه، فجرحته، كان الضمان (الدية) على الدافع؛ لأن السبب هنا يشتمل على معنى التعدي، لكون الصبي لم يباشر فعلاً معيناً، فهو غير مسؤول، والسكين بطبيعتها آلة جارحة.
ومن طرح على قارعة الطريق حية، فلدغت إنساناً بمجرد إلقائها، فمات، فهو ضامن ديته؛ لأنه متعد في هذا السبب. ومثله لو ألقى عقرباً أوزنبوراً ونحوهما على حيوان أو إنسان، فأتلفه، كان على الملقي الضمان. وشهود الزور
(١) الشرح الكبير للدردير: ٢٤٥/ ٤ وما بعدها، لكن في إتلاف الأموال يقدم المستكره على المكره، والمردي على الحافر في تعلق الضمان به وحده (الشرح الكبير: ٤٤٤/ ٣).