عند بعض الشافعية القائلين بفورية القبول؛ لأن الفورية شيء، والحكم بتغير المجلس شيء آخر، فإنهم قالوا: يعتبر العرف في تفرق العاقدين عن المجلس، فما يعده الناس تفرقاً يلزم به العقد، وما لا فلا؛ لأن ما ليس له حد في اللغة ولا في الشرع، يرجع فيه إلى العرف، فلو كان العاقدان في دار كبيرة يتغير المجلس بالخروج من البيت إلى صحن الدار، أو بالعكس، وإن كانا في دار صغيرة أو في سفينة أو مسجد صغير يتغير المجلس بخروج أحدهما منه، أوبصعود السطح، وإن كانا في سوق أوصحراء يتغير المجلس بأن يولي أحدهما ظهره ويمشي قليلاً كثلاث خطوات. ولو تناديا بالعقد من مكان بعيد، بقي المجلس ما لم يفارق أحدهما مكانه، فإن مشى كل منهما ولو إلى صاحبه، تغير المجلس. ولو تماشى الطرفان مسافة دام المجلس، وإن زادت المدة على ثلاثة أيام ما لم يعرضا عما يتعلق بالعقد.
[الشرط الثالث ـ ألا يرجع الموجب في إيجابه قبل قبول القابل]
لا بد لانعقاد العقد من استمرار الموجب على إيجابه الذي وجهه للقابل، فإن عدل عن إيجابه، لم يصح القبول.
وهل يصح العدول عن الإيجاب في مجلس العقد؟
أجاب جمهور الفقهاء (الحنفية والشافعية والحنابلة)(١) بأنه للموجب أن يرجع عن إيجابه قبل صدور القبول من الطرف الآخر، ويبطل الإيجاب حينئذ؛ لأن الالتزام بالعقد لم ينشأ بعد، ولا ينشأ إلا بارتباط القبول بالإيجاب، ولأن الموجب حر التصرف بملكه وحقوقه، وبإيجابه أثبت للطرف الآخر حق التملك، وحق الملك أقوى من حق التملك، فيقدم عليه عند التعارض؛ لأن الأول ثابت