وبما أن الإقرار إخبار متردد بين الصدق والكذب، فكان محتملاً لهذين الأمرين، إلا أنه جعل حجة بدليل معقول: وهو أنه ظهر رجحان الصدق على الكذب فيه؛ لأن الإنسان غير متهم فيما يقر به على نفسه، فإن المال محبوب المرء طبعاً، فلا يقر به لغيره كاذباً، فلم يكن في الإقرار تهمة وريبة.
وأدلة حجيته من الكتاب والسنة والإجماع هي ما يلي:
أما الكتاب: فقوله تعالى {أأقررتم، وأخذتم على ذلكم إصري؟ قالوا: أقررنا}[آل عمران:٨١/ ٣] فالله سبحانه طلب منهم الإقرار، ولو لم يكن الإقرار حجة، لما طلبه. وقوله سبحانه:{كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم}[النساء:١٣٥/ ٤] قال المفسرون: شهادة المرء على نفسه إقرار. وقوله عز وجل:{بل الإنسان على نفسه بصيرة}[القيامة:١٤/ ٧٥] قال ابن عباس: أي شاهد بالحق.
وأما السنة: فخبر الصحيحين في قصة العسيف: «واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» فأثبت الرسول صلّى الله عليه وسلم الحد بالاعتراف.
وأما الإجماع: فإن الأمة الإسلامية أجمعت على صحة الإقرار، وكونه حجة من لدن رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير.
وبالقياس ثبتت الحجية أيضاً: وهو أننا إذا قبلنا الشهادة على الإقرار، فلأن نقبل الإقرار أولى.
وحكمة تشريع الإقرار: التوصل لإثبات الحقوق وإيصالها إلى أصحابها من أقرب الطرق وأيسرها، لأن الشرع يحرص على حفظ الأموال وصيانتها من الضياع، كما يحرص على أداء حقوق الله تعالى.