للاقتناع بسلامة المبدأ أو تنفيذ الأحكام وطاعة الشريعة، فكما لا يصح الإيمان بالقهر والإكراه من غير استدامة عليه، وكما لا يتعين الجهاد بالقتال، وربما كان الأفيد هو الإقناع والبرهان، والدعوة والإرشاد، والكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، كذلك لا يلجأ إلى العقاب دائماً، ويقبح العقاب ولا يسوغ بحال بلا بيان وإنذار وتحذير، كما أن الثواب والجزاء لا يكون قبل التكليف الشرعي القائم على توافر الأهلية من العقل الكافي والبلوغ الجسدي، وإصدار الأوامر والنواهي وتعليل الأحكام الشرعية، وبيان الحكمة التشريعية، فإن كل العقلاء يستهجنون توجيه اللوم والعتاب، وتطبيق العقوبة والعذاب، دون سبق هداية أو إنذار.
لذا قدم الله سبحانه للناس جميعاً كل وسائل الإقناع، والبراهين العقلية والحسية، والإرشاد إلى الإيمان الصحيح وتوحيد الله، ونبذ كل هياكل الوثنية والشرك، ثم أرشدهم إلى ما فيه السعادة في الدنيا والآخرة، ودلهم على طرق الخير والبر والإحسان، ونوّع الأساليب، وألقى المواعظ والعبر، وضرب الأمثال من قصص الأمم الغابرة، وشد الأنظار نحو التأمل في الكون، ونبّه العقول والأفكار، وأيقظ الضمير والوجدان، وأهاب باستقلال الشخصية عن الآخرين، وحارب الموروثات السيئة والتقليد الأعمى للآباء والأجداد، من أجل تغيير العقيدة الفاسدة أو المشوهة أو المنعدمة وإصلاح الأخلاق، ووضع الأنظمة الصالحة للحياة الهانئة السعيدة المستقرة، والتخلص من فوضى الجاهلية، والوثنية الدينية.
التدرج في الإصلاح: في حال البيان السابق تدرج القرآن في خطوات الإصلاح الاجتماعي والفردي، ولم يفاجئ الناس بجميع بنود التغيير والإصلاح، وإنما روّضهم على تقبل أحكام الشريعة ببطء وانتظار وقت غير قصير، فلما استحكم العناد بالزعماء والقادة والكبراء، واستكبروا عن سماع الحق، والإصغاء للأفضل، وتكررت منهم محاولات الاعتداء على أهل القرآن والإيمان، وتعذيب