وأما القسم الثالث: وهو أن يجتمع حدود الله، وحدود الآدميين: وهذه ثلاثة أنواع:
أحدها ـ ألا يكون فيها قتل: فقال الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: تستوفى كلها إلا أن المالكية قالوا بتداخل حد الشرب وحد القذف؛ لأن الغرض من العقوبتين واحد، وهو منع الافتراء.
ثانيها ـ أن يكون فيها قتل: فقال الجمهور: حدود الله تعالى تدخل في القتل. وأما حقوق الآدميين، فتستوفى كلها.
وقال الشافعي: تستوفى الحدود جميعهاً؛ لأنها حدود وجبت بأسباب، فلم تتداخل.
ثالثها ـ أن يتفق الحقان في محل واحد، فإن اجتمع حقان: أحدهما لله، والآخر لآدمي، كالقصاص والرجم في الزنى، قدم القصاص عند العلماء، لتأكد حق الآدمي، وبه يتحقق أيضاً حق الله تعالى.
ثانياً ـ إسقاط الحدود بالتوبة:
إذا تاب العصاة ما عدا المحاربين من شاربي الخمر والزناة والسراق، فلا يسقط الحد عند الحنفية والمالكية والشافعية في الأظهر عندهم، وذلك سواء بعد رفع الأمر إلى الحاكم أو قبله؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يسقط الحد عن ماعز، حينما جاءه، وأقر بالزنى، ولا شك أنه لم يأت، إلا وهو تائب، ونحوه من الحدود، فإنه لم يرد نص في إسقاط الحد عن هؤلاء.
واستثنى الكاساني في البدائع حد السرقة العادية، فإنه يسقط بتوبة السارق قبل أن يظفر الحاكم به، وبشرط رد المال إلى صاحبه. وقال ابن عابدين: الظاهر أن