وهذا مناقش، ولا يسلم الفريق الأول بدخول الصلح مع الإنكار في مفهوم هذا الحديث؛ لأن الممنوع أن يحل الصلح شيئاً محرماً مع بقائه على تحريمه، كما لو تم الصلح على استرقاق حر أو إحلال بُضْع (فرج) محرم، أو تم الصلح بخمر أو خنزير، ثم إن للمدعي أن يأخذ حقه الثابت له بأي طريق.
وأما المدعى عليه فإنه يدفع ادعاء المدعي لدفع المسؤولية عنه، ولإنهاء النزاع ولصيانة نفسه من التبذل وحضور مجلس الحاكم، فإن ذوي النفوس الشريفة والمروءة يصعب عليهم هذا، ويرون أن دفع ضررها عنهم من أعظم مصالحهم، والشرع لا يمنعهم من وقاية أنفسهم وصيانتها ودفع الشر عنهم ببذل أموالهم، والمدعي يأخذ المبذول عوضاً عن حقه الثابت له، فلا يمنعه الشرع منه أيضاً، سواء أكان المأخوذ من جنس حقه، أم من غير جنسه بقدر حقه أو دونه.
٣ - الصلح مع سكوت المدعى عليه: وهو ألا يقر المدعى عليه ولا ينكر، كأن يدعي شخص شيئاً على شخص آخر فيسكت من غير إقرار ولا إنكار، ثم يصالح عنه، وهو جائز عند الجمهور، ومنهم ابن أبي ليلى، وغير جائز عند الشافعية، ودليل كل فريق: هو ما ذكر في الصلح عن إنكار، وقد قرر الشافعية أن الساكت منكر حكماً، فيعامل معاملة المنكر (١).
والخلاصة: إن الصلح بأنواعه الثلاثة السابقة جائز عند الحنفية بحيث يثبت الملك للمدعي في بدل الصلح، ويزول حق المدعى عليه في استرداد شيء؛ لأن الصلح سبب لرفع التنازع المحظور، قال تعالى:{ولا تنازعوا}[الأنفال:٤٦/ ٨] فكان مشروعاً. والصلح عن السكوت أو الإنكار عند الحنفية: هو في حق المدعى عليه لافتداء اليمين وقطع الخصومة؛ لأنه في زعمه أنه مالك لما في يده، وفي حق