الانضباط والتزام الأوامر، فيستعذب الألم في سبيل الله تعالى، ويدفع إلى التضحية والإيثار.
وبالحج يؤدي العبد لربه شكر النعمة: نعمة المال، ونعمة العافية، ويغرس في النفس روح العبودية الكاملة، والخضوع الصادق الأكيد لشرع الله ودينه، قال الكاساني (١): في الحج إظهار العبودية وشكر النعمة، أما إظهار العبودية فهو إظهار التذلل للمعبود، وفي الحج ذلك؛ لأن الحاج في حال إحرامه يظهر الشعث ويرفض أسباب التزين والارتفاق، ويظهر بصورة عبد سخط عليه مولاه، فيتعرض بسوء حاله لعطف مولاه. وأما شكر النعمة: فلأن العبادات بعضها بدنية وبعضها مالية، والحج عبادة لا تقوم إلا بالبدن والمال، ولهذا لا يجب إلا عند وجود المال وصحة البدن، فكان فيه شكر النعمتين، وشكر النعمة ليس إلا استعمالها في طاعة المنعم، وشكر النعمة واجب عقلاً وشرعاً.
وأما أهم فوائد الحج الجماعية: فهو أنه يؤدي بلا شك إلى تعارف أبناء الأمة على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأوطانهم، وإمكان تبادل المنافع الاقتصادية الحرة فيما بينهم، والمذاكرة في شؤون المسلمين العامة، وتعاونهم صفاً واحداً أمام أعدائهم، وغير ذلك مما يدخل في معنى قوله تعالى:{ليشهدوا منافع لهم}[الحج:٢٨/ ٢٢].
ويُشعر الحج بقوة الرابطة الأخوية مع المؤمنين في جميع أنحاء الأرض المعبر عنها في قوله تعالى:{إنما المؤمنون إخوة}[الحجرات:١٠/ ٤٩] ويحس الناس أنهم حقاً متساوون، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.