أما الحنابلة فقالوا: لو قصد الموصي الإنفاق على فرس زيد أو دابته، ولو لم يقبل الموصى له، تصح الوصية؛ لأن العبرة في العقود للمعاني والمقاصد. ويصرف الموصى به في علف الدابة، فإن مات الفرس قبل الإنفاق عليه، كان الباقي لورثة الموصي، ويتولى الوصي أو القاضي عند الحنابلة، لا صاحب الفرس الإنفاق عليه.
وبناء على هذا الشرط، قال أبو حنيفة: لو قال: أوصيت بثلث مالي لله تعالى، فالوصية باطلة. وقال محمد: جائزة، وعليه الفتوى، ويصرف في وجوه البر.
ولو أوصى للمسجد أو للمسجد الحرام أو للمدرسة ونحوها من جهات الوقف بشيء، لم يجز عند الحنفية، إلا أن يقول: ينفق على المسجد إنشاء وترميماً؛ لأنه قربة. وعند محمد والشافعية: يصح مطلقاً، سواء قال: ينفق أم لا، ويصرف على مصالحه، كالمثال السابق، تصحيحاً لكلامه.
وقال المالكية والحنابلة: تصح الوصية لمسجد ونحوه كرباط وثغر وسور على البلد، وتصرف في مصالحه ونفقاته التي يحتاجها من إضاءة وحصر وسجاد، وما زاد على ذلك، فيصرف على خدمته من إمام ومؤذن ونحوهما.
الوصية للقاتل: ألا يكون الموصى له قاتلاً الموصي في رأي الحنفية والحنابلة: فإن قتله بأن أصابه بجرح فأوصى له، ثم مات، كانت الوصية باطلة. وإن أوصى له أولاً، ثم حدث القتل، كان مانعاً من استحقاق الوصية. فالقتل يمنع صحة الوصية ابتداء واستمراراً؛ لأن القتل يمنع الميراث، فيمنع الوصية، معاملة له بنقيض مقصوده، ولخبر «ليس لقاتل وصية»(١). والقتل مانع من صحة الوصية
(١) أخرجه الدارقطني والبيهقي عن علي رضي الله عنه، لكن فيه راو متروك يضع الحديث (نصب الراية: ٤٠٢/ ٤).